استراتيجية حزب الله اللبناني في اقتحام الأقصى؛ عندما أصيب الجيش الإسرائيلي بالشلل على الجبهة الشمالية
إن الأداء الذكي للمقاومة اللبنانية خلال اقتحام الأقصى هو أحد العناصر الأساسية في هذه المعركة، وهو ما منع الجيش الصهيوني من التمركز على جبهة غزة منذ اليوم الأول، وحتى خلال فترة وقف إطلاق النار المؤقت مع غزة، واضطر الإسرائيليون في شمال فلسطين المحتلة إلى الوقوف على أهبة الاستعداد. |
وبحسب المجموعة الدولية وكالة تسنيم للأنباء، تجسيد لمبدأ “وحدة مناطق المقاومة” من أبرز ملامح عملية اقتحام الأقصى ضد العدو الصهيوني، والتي أثبتت فيها المجموعات التابعة لمحور المقاومة جيداً أن دعمها لفلسطين ليس مجرد دعم لفظي، ومحور المقاومة يقول كلمته الميدان.
الوحدة ميادين المقاومة في اقتحام الأقصى
ولكن لشرح كيف أظهرت فصائل المقاومة وحدتها ضد العدو المشترك في الآونة الأخيرة المعركة مع المحتلين يرى البعض أنه من الأفضل أن نسمي حرب أكتوبر 2023 بـ دعونا نقارن حرب أكتوبر 1973 بالحرب التي حدثت قبل 50 عاما. ورغم أن الجيوش العربية اتحدت لقتال الصهاينة في حرب أكتوبر 1973، إلا أن نوع وحدتها يختلف عن الوحدة التي رأيناها من فصائل المقاومة في الفترة الجديدة، ففي ذلك الوقت كان جيشا سوريا ومصر، بالتنسيق معهما، وخاضت الحرب مع نظام الاحتلال بعد الاتفاق على الجدول الزمني والخطة العملياتية. لكن عملية اقتحام الأقصى التي حدثت في 7 أكتوبر 2023، جاءت بقرار فلسطيني كامل، والتوقيت والخطط العملياتية وطريقة إدارة الحرب كلها من صنع المقاومة الفلسطينية. لكن رغم ذلك فإن فصائل المقاومة الأخرى من لبنان ثم العراق واليمن، كما أكد قادتها مرات عديدة من قبل، لم تتردد وخرجت إلى الميدان لدعم فلسطين، و2023 هي في الحقيقة كما في الحرب قبل 50 عاما. وبالرغم من التنسيق السابق بين الجيشين السوري والمصري إلا أن مصر قررت من جانب واحد وقف إطلاق النار وتركت سوريا وحيدة في ساحة المعركة مع العدو الصهيوني، وتعتبر هذه الحادثة مقدمة لوقوع حدث مشؤوم و تحرك الحكومة المصرية للتواصل مع نظام الاحتلال.
وهذا على الرغم من أن الكثيرين اعتقدوا في ذلك الوقت أن الجيش المصري القوي والمجهز جيدًا، إلى جانب سوريا، يمكن أن يلحقوا هزيمة كبيرة بالجيش المصري. قوات الاحتلال ونصر تاريخي يحققه للعرب. لكن في حرب أكتوبر 2023، سرعان ما انضمت فصائل المقاومة في المنطقة إلى المقاومة الفلسطينية وكانت مع الفلسطينيين منذ البداية، وهي لا تزال تحذر الصهاينة من استئناف العدوان على الشعب الفلسطيني.
في هذا المقال نحاول أن نتناول على وجه الخصوص أداء حزب الله اللبناني في معركة عاصفة الأقصى، وفي المقالات التالية سنتناول الإجراءات غير المسبوقة التي اتخذتها مقاومة العراق واليمن في دعم الأمة الفلسطينية وقضيتها.
“القلب الدافئ والعقل البارد”؛ استراتيجية حزب الله لدعم فلسطين
حركة حزب الله في لبنان، كغيرها من فصائل المقاومة، رغم أنها لم تكن تعلم بهجوم المقاومة الفلسطينية على العدو الصهيوني، إلا أنها في اليوم الأول، وأعربت عن دعمها لذلك في بيان رسمي، وأعلنت العملية وانضمت إليها في اليوم التالي 8 أكتوبر. والحقيقة أن حزب الله كان يفكر في كيفية البدء بدعم الشعب والمقاومة الفلسطينية، وليس ما إذا كان ينبغي للمقاومة اللبنانية أن تفتح جبهة للدفاع عن فلسطين أم لا، ولذلك فإن قوى المقاومة اللبنانية، بغض النظر عن التاريخ الذي ستبدأ فيه الحرب في غزة، النهاية، وكم من الشهداء الذين على حزب الله أن يضحوا بهذه الطريقة، دخلوا ساحة المعركة. استراتيجية حزب الله في هذه المعركة كانت مبنية على منطق «القلب الدافئ والعقل البارد» (التوازن بين العقل والعاطفة). في الساعات الأولى من عمليات المقاومة الفلسطينية ضد العدو الصهيوني في معركة اقتحام الأقصى، كانت المشاهد التي تم نشرها غير مسبوقة ومثيرة للدهشة: مشاهد أسر جنود وجنرالات الجيش الصهيوني بشكل رهيب والوضع المهين الذي يتعرض له المقاومون.
ولا شك أن إلحاق هذه الصدمة الكبيرة بالكيان الصهيوني يعد إنجازاً كبيراً للمقاومة الفلسطينية، وبعد ذلك أخذ المقاتلون الفلسطينيون زمام المبادرة للحرب و وألحقت خسائر فادحة بجيش العدو. لكن ربما انتاب البعض انفعال شديد وانفعال شديد بعد رؤية هذه المشاهد، وتوقعوا أن يبدأ حزب الله اللبناني على الفور عملية مماثلة داخل الأراضي المحتلة، لكن اليقظة والواقعية جزء لا يتجزأ من استراتيجية جميع فصائل المقاومة، وهو أمر مدروس ومن الطبيعي أن يفعلوا ذلك. لا تستخدم أسلوب المفاجأة مرتين وفي فترة زمنية متقاربة جداً. وفي هذه الأثناء أثبت حزب الله منذ اليوم الأول أنه ينوي إدارة هذه المعركة على حدود لبنان الجنوبية مع فلسطين المحتلة بطريقة منطقية وصحيحة وإلحاق الضرر بالعدو بشكل محسوب.
إدارة حزب الله الذكية في الحرب مع الصهاينة على حدود لبنان وفلسطين المحتلة
كما أدار السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، ساحة المعركة بشكل جيد من خلال الالتزام بـ منطق “القلب الدافئ والعقل البارد” تولى زمام الأمور وكان يعلم جيدًا أنه لا ينبغي له أن يسلم كل أوراقه دفعة واحدة؛ مشكلة تجعل الصهاينة لا يتوقفون عن الخوف والقلق من تصرفات حزب الله المفاجئة. لذلك، منذ اليوم الأول، بدأ حزب الله المعركة بالقواعد التي حددها على النحو التالي:
– استهداف أبراج التجسس والرادارات التابعة للكيان الصهيوني: البعض جرب عمليات حزب الله ضد أبراج التجسس ورادارات الكشف.التقليل من شأن الكيان الصهيوني. لكن تركيز حزب الله على تدمير هذه المعدات للجيش الإسرائيلي، بالإضافة إلى الأضرار المادية التي سببتها، أربك الصهاينة ولم يتمكنوا من تحديد ما هي الخطوة التالية للمقاومة اللبنانية.
ولكن استهداف الجاسوس الأبراج ورادارات العدو تعني أن المقاومة اللبنانية كانت تستعد لتعمية أعين النظام الصهيوني المتجسسة والدخول في المرحلة التالية التي قد تكون هجوماً برياً على شمال فلسطين المحتل مثلاً. هذه القضية جعلت الجيش الإسرائيلي غير قادر على التركيز في غزة وكان عليه أن يكون في حالة تأهب على الجبهة الشمالية للأراضي المحتلة. كما أن الصهاينة لم يتمكنوا من إصلاح وإعادة بناء معدات التجسس والرادار الخاصة بهم على الحدود مع لبنان بسبب الصراع في الجبهتين الشمالية والجنوبية لفلسطين المحتلة.
– ردود فعل سريعة: إذا ما استعرضنا بيانات المقاومة الإسلامية اللبنانية حول العمليات ضد مواقع العدو المحتل، والتي كانت مختصرة ودقيقة ومفيدة، فسنجد أنها معدة على أساس بنية واحدة ومثيرة للاهتمام؛ بحيث في كل هذه التصريحات، الجزء الأول خاص بآية من القرآن الكريم، في الجزء الثاني يتم توضيح سبب العملية، في الجزء الثالث موقع العدو الذي تم استهدافه والسلاح الذي تم استهدافه. وتم ذكر قوات المقاومة المستخدمة لهذا الغرض، والجزء الرابع يتعلق بالإصابات المباشرة التي تلقاها الغزاة من العملية، والجزء الأخير مزين أيضًا بآية أخرى من القرآن الكريم: “وما النصر إلا رجل” والله العزيز الحكيم” (وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم). /p>
وبمراجعة هذه التصريحات ندرك أن سببها الأول كان دائما دعم الشعب الفلسطيني الصامد والصامد. ومقاومتهم، وفي بعضها أيضاً أسباب ثانوية، مثل الرد على اعتداءات نظام الاحتلال على المدنيين والصحفيين وما ذكر في جنوب لبنان. إن سرعة رد حزب الله على عدوان العدو في جنوب لبنان هي إحدى السمات الفريدة لعمليات هذا الحزب. بحيث يأتي الرد المناسب على هذه الاعتداءات بعد 24 ساعة على الأكثر.
الاهتمام بالكيف في عمليات المقاومة اللبنانية قبل الكمية
التسبب في خسائر دقيقة للعدو: المقاومة اللبنانية تهتم بالكيف قبل الكم في عملياتها؛ بحيث لم تخل أي من عملياتها من خسائر دقيقة للعدو ولم تهدر ولو رصاصة واحدة. إن صواريخ حزب الله بركان التي دخلت الميدان في هذه المعركة وأثارت قلق الصهاينة أصابت الأهداف المقصودة بالضبط. وتكبدت كافة ثكنات ومواقع جيش الاحتلال ومعداته العسكرية، بما فيها دبابات الميركافا التي تستهدفها قوات المقاومة اللبنانية، خسائر مباشرة، كما استشهد العديد من الجنود الصهاينة في الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة على يد حزب الله. ولم يكشف الجيش الإسرائيلي عن إحصائياته، وهو يمتنع.
وهذا يعني أن حزب الله استخدم ما يكفي من الأسلحة والقوة البشرية المحسوبة لتحقيق أهدافه. وربما لا تتوفر حتى الآن تقارير إحصائية دقيقة عن نسبة نجاح جميع عمليات حزب الله، لكن رصد أخبار يشير إلى أن هذه النسبة عالية وربما تكون أعلى نسبة نجاح لهجمات المقاومة اللبنانية ضد النظام الصهيوني في تاريخ مواجهة هذا النظام.
– تكثيف تدريجي للعمليات ضد المواقع الصهيونية: باستخدام آلية “العمليات الذكية والمفيدة” وبدلاً من «العمليات المتسرعة»، كانت استراتيجية مناسبة اتخذها «حزب الله» منذ بداية تواجده في معركة عاصفة الأقصى وزاد تدريجياً من سرعة وكثافة عملياته؛ وبلغ عدد القتلى والجرحى في عمليات حزب الله خلال 45 يوما أكثر من 354 صهيونيا، وتم إخلاء أكثر من 43 مستوطنة شمال فلسطين المحتلة، وتضرر أكثر من 170 كاميرا تجسس تابعة للجيش الصهيوني، و40 موقعا عسكريا إسرائيليا. وتم استهداف الجيش أكثر من 275 مرة، كما تم تدمير 21 دبابة وآلية عسكرية تابعة لهذا الجيش أو إصابتها بأضرار بالغة.
يضاف إلى ذلك فرار المستوطنين من المناطق الشمالية والعبء النفسي لحزب الله. الهجمات على الصهاينة، والتي نتيجتها المباشرة زيادة عملية الهجرة العكسية من الأراضي المحتلة، كانت نتيجة لعمليات حزب الله.
– لا لوقف إطلاق النار والوسطاء: حزب الله اللبناني مثل مقاومة العراق وأنصار الله في اليمن، الذين دخلوا معركة اقتحام الأقصى، لا يقبل أي تفاوض بشأن وقف الهجمات على مواقع العدو، وأبلغ جميع الأطراف التي يبدو أنها تنوي التوسط، ما دام العدوان مستمرا. ومع استمرار المحتلين ضد أهل غزة، فإن عمليات المقاومة اللبنانية ضد النظام الصهيوني ستستمر أيضاً، وامتد النظام الصهيوني في قطاع غزة عدة مرات، وواصل حزب الله إصراره على أن أيدي مقاتليه كانت على الزناد. وتضع هذه القضية ضغوطا إضافية على الإسرائيليين، سواء على المستوى السياسي أو العسكري، وكذلك على الرأي العام في المجتمع الداخلي للكيان الصهيوني، وهذا يعني أنه بالإضافة إلى العمليات العسكرية، فإن حزب الله ناجح أيضا في الحرب النفسية ضد إسرائيل. إسرائيل.
مصدر | وكالة للأنباء تسنيم |