والعلاقات بين روسيا والصين؛ تقارب واختلافات استراتيجية
وبحسب المجموعة الدولية وكالة أنباء “تسنيم”، تراجعت العلاقات بين روسيا وإيران في العقود الأخيرة دخلت الصين مرحلة جديدة من التعاون بسبب الاحتياجات المشتركة والأهداف الطموحة التي تسعى إلى تحقيقها على الساحة العالمية.
هذان البلدان، على الرغم من الاختلافات التاريخية والتحديات الاستراتيجية بينهما، إلا أنهما شهدتا العديد من المجالات الاقتراب من الوحدة والتقارب. فمن ناحية، دفعت الضغوط الاقتصادية والسياسية التي يمارسها الغرب على روسيا موسكو إلى البحث عن حلفاء جدد في آسيا، وخاصة الصين، ومن ناحية أخرى، فإن نمو القوة الاقتصادية والعسكرية للصين حفز هذا البلد على بناء دولة جديدة. هيكل أقرب إلى روسيا يغير النظام العالمي لصالحها.
يتناول هذا المقال عوامل التقارب والاختلافات الاستراتيجية وتأثير هذه العلاقات على ميزان القوى وأخيراً المستقبل. العلاقات بين روسيا والصين.
إن الخلفية التاريخية ودوافع التقارب بين روسيا والصين، الذي يعود تاريخه إلى أكثر من قرنين من الزمان، شهدت دائمًا تغيرات وتحديات مختلفة. فمن حروب الحدود التاريخية والمنافسات الإيديولوجية في الحقبة السوفييتية والصين الشيوعية إلى النزاعات على النفوذ في آسيا، كانت هاتان الدولتان في حالة توتر بين الحين والآخر. لكن في العقود الأخيرة، ساهمت عدة عوامل رئيسية في التقارب بين روسيا والصين.
عوامل التقارب
مواجهة نفوذ أمريكا وحلفائها الغربيين؛ وقد واجه كلا البلدين ضغوطًا وعقوبات اقتصادية من الغرب، وخاصة من الولايات المتحدة، مما دفعهما إلى تعزيز التحالف الاستراتيجي.
حاجة روسيا إلى الأسواق والأجنبي استثمار؛ وبعد العقوبات الغربية ضد روسيا، تتطلع هذه الدولة إلى توسيع أسواقها في آسيا وإيجاد مستثمرين جدد، وتعتبر الصين، باعتبارها ثاني أكبر اقتصاد في العالم، خيارًا مناسبًا للتعاون.
حاجة الصين إلى مصادر الطاقة والمواد الخام؛ باعتبارها واحدة من أكبر مستهلكي الطاقة، تحتاج الصين بشكل متزايد إلى موارد النفط والغاز الروسية، والتي أصبحت، إلى جانب الموارد المعدنية والزراعية، العامل الرئيسي للتقارب الاقتصادي.
هذه العوامل الثلاثة أصبحت تؤثر بشكل كبير على السياسات الداخلية والخارجية لكلا البلدين، كما وفرت الظروف لتشكيل تحالف استراتيجي ضد النفوذ الغربي.
محور الاختلاف
وعلى الرغم من هذا التقارب، هناك أيضًا تحديات واختلافات استراتيجية. وقد ظهرت هذه الاختلافات بشكل خاص في المناطق الجغرافية والاقتصادية مثل آسيا الوسطى والشرق الأقصى.
آسيا الوسطى؛ وهذه المنطقة ذات أهمية حيوية لكلا البلدين. بالنسبة لروسيا، تشكل آسيا الوسطى جزءا من مجال نفوذها التقليدي، الذي تعتبره بمثابة الفناء الخلفي لها منذ الحقبة السوفياتية. لكن الصين، من خلال مبادرة “حزام واحد، طريق واحد”، تهدف إلى تعزيز نفوذها الاقتصادي في المنطقة وإنشاء طرق تجارية جديدة. وقد تسبب هذا في تنافس البلدين بشكل غير مباشر مع بعضهما البعض؛ وبينما تحاول روسيا الحفاظ على سيطرتها السياسية والعسكرية، اتجهت الصين نحو الاستثمار الاقتصادي وتمويل البنية التحتية.
الشرق الأقصى وسيبيريا؛ وفي الشرق الأقصى الروسي، الذي يتمتع بموارد طبيعية وفيرة، تهتم الصين بتطوير العلاقات التجارية والوصول إلى الموارد الطبيعية. وفي الوقت نفسه، تشعر روسيا بالقلق من أن الهيمنة الاقتصادية للصين، وخاصة في هذه المنطقة، ستؤدي إلى التبعية الاقتصادية وحتى الضغط الديموغرافي من جانب الصين.
الاختلافات الاستراتيجية بين روسيا والصين، على الرغم من التعاون على نطاق واسع هو مسألة خفية ولكنها خطيرة يمكن أن تؤدي إلى المنافسة في حالة حدوث أزمة.
التوازن العالمي القوة
أدت العلاقات القوية بين روسيا والصين، وخاصة ضد النظام الدولي القائم، إلى تغييرات كبيرة في توازن القوى العالمية. وقد شكل هذا التعاون، خاصة في المجالات العسكرية والاقتصادية والسياسية، تحديا للنظام العالمي الذي تقوده أمريكا. ونذكر بعض الأمثلة على هذه التأثيرات.
ضعف النفوذ الاقتصادي والسياسي الأمريكي؛ لقد سمح التحالف بين الصين وروسيا لهما بتعزيز تجارتهما الثنائية من خلال تقليل اعتمادهما على الدولار الأمريكي وتغيير النظام المالي العالمي تدريجياً. ويسعى هذان البلدان، وخاصة في شكل اتفاقيات ومجموعات متعددة الأطراف مثل منظمة شنغهاي للتعاون، إلى إنشاء نظام متعدد الأقطاب في العالم من شأنه أن يحد من القوة الاقتصادية والسياسية للولايات المتحدة.
تعزيز الوجود العسكري في المناطق الحساسة؛ وتحاول روسيا والصين إنشاء جبهة موحدة ضد النفوذ العسكري الغربي من خلال زيادة التدريبات العسكرية المشتركة وتعزيز وجودهما العسكري في المناطق الرئيسية (مثل بحر الصين الجنوبي وشمال المحيط الهادئ).
تغير ميزان القوى في آسيا; وكان نفوذ الصين المتنامي في آسيا الوسطى والتعاون مع روسيا سبباً في خلق ظروف جديدة للجهات الفاعلة الإقليمية وخارج المنطقة، مثل إيران والهند واليابان والاتحاد الأوروبي، والتي يتعين عليها أن تتكيف مع النفوذ المتزايد للدولتين. >
مستقبل العلاقات الروسية الصينية
مستقبل العلاقات الروسية الصينية في ظل التعقيدات السياسية والاقتصادية مهمة صعبة. قد تواجه هذه العلاقات تحديات جديدة أو حتى تخضع لتغيرات غير متوقعة وفقًا لسيناريوهات مختلفة. ومع ذلك، تبدو عدة سيناريوهات محتملة.
استمرار التعاون الاستراتيجي رغم الاختلافات؛ إذا استمرت العقوبات والضغوط من الغرب، فقد تستمر الصين وروسيا في تعزيز تعاونهما الاستراتيجي بل وحتى التحرك نحو تحالفات عسكرية واقتصادية أوسع.
إمكانية المنافسة الخفية و تصاعد الخلافات؛ ومع تزايد النفوذ الاقتصادي للصين في المناطق التقليدية لروسيا مثل آسيا الوسطى، هناك احتمال للمنافسة الخفية وتقليص التعاون الاستراتيجي. وفي هذا السيناريو، قد تسعى روسيا إلى زيادة نفوذها العسكري وتعزيز العلاقات مع دول آسيا الوسطى الأخرى. ومن الممكن أن تؤثر التطورات الداخلية في كل من هذين البلدين أيضًا على العلاقات الثنائية. فإذا تغيرت السياسات الداخلية للصين أو روسيا، أو إذا أصبحت النخب السياسية في هذه البلدان أكثر ميلاً نحو السياسات القومية، فإن احتمالية حدوث توترات جديدة ستزداد، وهو مثال على التقارب والاختلاف في السياسة الدولية، وهو ما لا يؤثر فقط على العالم توازن القوى العالمية، ولكن أيضاً المعادلات الإقليمية، لكن خلافاتهم الاستراتيجية ومصالحهم المتضاربة تشكل تحدياً أساسياً لاستقرار هذه العلاقات.
ويبدو أن مستقبل العلاقات الروسية الصينية. يعتمد على مزيج من التعاون والمنافسة وسيتم تشكيل نظام متعدد الأقطاب مع جهات فاعلة مستقلة.
© | وقد قام مركز ويبانغاه الإخباري بترجمة هذا الخبر من مصدر وكالة تسنیم للأنباء |