استراتيجية روسيا تجاه كوريا الشمالية: أداة ضغط أم شريك استراتيجي؟
وبحسب المجموعة الدولية وكالة أنباء تسنيم، فإن العلاقات بين روسيا وكوريا الشمالية في فخلال العقود الماضية، كانت دائما متأثرة بالعوامل الجيوسياسية والاقتصادية والأمنية. والسؤال الأساسي هو هل تنظر روسيا إلى كوريا الشمالية كشريك استراتيجي في سياساتها الإقليمية أم أنها تستخدمها كأداة لممارسة الضغط على الغرب وحلفائه؟
التحقيق في هذا الأمر الأمر يتطلب تحليلاً مفصلاً للعلاقات التاريخية والاقتصادية والأمنية بين البلدين في إطار التطورات الإقليمية والدولية.
العلاقات التاريخية : من متحدون حتى الانقسام والتقارب مرة أخرى
تعود العلاقات بين روسيا وكوريا الشمالية إلى حقبة الحرب الباردة، عندما لعب الاتحاد السوفييتي دورًا مهمًا في تأسيس كوريا الشمالية. كوريا ودعمها خدم في الحرب الكورية. في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، كان الاتحاد السوفيتي بمثابة الداعم العسكري والاقتصادي الأكثر أهمية لكوريا الشمالية.
ومع ذلك، في الثمانينيات، بسبب الأولويات السوفيتية المحلية والاختلافات الأيديولوجية بين موسكو وبيونغ يانغ ، أصبحت العلاقات بين البلدين أكثر برودة. بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، حولت روسيا تركيزها إلى القضايا الداخلية والعلاقات مع الغرب، مما أدى إلى تقليل الدعم لكوريا الشمالية. ولكن منذ منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تحسنت العلاقات بين البلدين مرة أخرى، وحاولت روسيا إحياء دورها في شبه الجزيرة الكورية. وكان هذا التغيير واضحا بشكل خاص بعد الأزمة الأوكرانية في عام 2014 وتصاعد التوترات الروسية مع الغرب.
العوامل الاقتصادية: الفرص والقيود
من وجهة نظر اقتصادية العلاقات بين روسيا وكوريا الشمالية محتملة أكثر منها فعلية. تمتلك روسيا موارد الطاقة والقدرة التقنية لمساعدة كوريا الشمالية، بينما تقدم كوريا الشمالية عمالة رخيصة وموارد معدنية كبيرة.
على سبيل المثال، كان أحد التعاونات الاقتصادية الرئيسية هو استخدام كوريا الشمالية العمالة الكورية في مشاريع البناء الروسية، وخاصة في الشرق الأقصى الروسي. لكن العقوبات الدولية المفروضة على كوريا الشمالية بسبب برنامجها النووي تشكل عائقا خطيرا أمام تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين. روسيا، على الرغم من انتقادها المتكرر للعقوبات، التزمت جزئيًا بتنفيذها بسبب الحفاظ على التوازن في سياستها الخارجية.
الاعتبارات الأمنية: التوازن ضد الغرب والصين
من وجهة نظر أمنية، تمثل كوريا الشمالية أهمية استراتيجية بالنسبة لروسيا. إن وجود كوريا الشمالية كقوة مستقلة ضد نفوذ الولايات المتحدة وحلفائها، وخاصة في اليابان وكوريا الجنوبية، يساعد روسيا في الحفاظ على التوازن في المنطقة.
علاوة على ذلك، فإن كوريا الشمالية ومن الممكن أن تعمل كوريا كوسيلة ضغط في مفاوضات روسيا مع الغرب بشأن قضايا أوسع، بما في ذلك القضايا المتعلقة بأوكرانيا وحلف شمال الأطلسي. وتحاول روسيا أيضًا منع كوريا الشمالية من أن تصبح حليفًا كاملاً للصين.
تشعر موسكو بالقلق من أن تصبح بيونغ يانغ أداة في أيدي الصين بسبب اعتمادها المفرط على بكين. . وفي هذا السياق، تحاول روسيا الحفاظ على نفوذها في كوريا الشمالية من خلال تقديم مساعدات محدودة وتطوير التعاون الدبلوماسي.
من أهم القضايا في العلاقات بين روسيا وكوريا الشمالية هو البرنامج النووي للبلاد. وقد تبنت روسيا، على النقيض من الولايات المتحدة، موقفاً أكثر ليونة تجاه الأنشطة النووية لكوريا الشمالية. وتعتقد موسكو أن الأساليب العدوانية، مثل العقوبات الصارمة أو التهديدات العسكرية، لن تؤدي إلا إلى تصعيد التوترات. في المقابل، دعمت روسيا المحادثات المتعددة الأطراف مثل المحادثات السداسية ودعت إلى المشاركة الدبلوماسية لحل الأزمة النووية.
يسمح هذا النهج لروسيا بالعمل كوسيط ولعب دور الوسيط. تلعب دورا هاما في العمليات الدبلوماسية. ومن ناحية أخرى، تسمح هذه السياسة لروسيا باستخدام ورقة كوريا الشمالية كأداة مساومة ضد الضغوط الغربية في قضايا أخرى.
تواجه روسيا العديد من القيود في سياساتها تجاه كوريا الشمالية
العقوبات الدولية; وتشكل عقوبات الأمم المتحدة والضغوط الغربية العقبة الرئيسية أمام تطوير العلاقات الاقتصادية والعسكرية بين البلدين. ولا تستطيع روسيا أن تدعم كوريا الشمالية علناً وعلى نطاق واسع، لأن هذا يمكن أن يؤدي إلى مزيد من عزلة موسكو في المجتمع الدولي.
اعتماد كوريا الشمالية اقتصادياً على الصين؛ ولا تزال الصين أكبر شريك اقتصادي وسياسي لكوريا الشمالية، كما أن نفوذ روسيا في بيونغ يانغ محدود للغاية مقارنة ببكين.
الافتقار إلى الثقة المتبادلة؛ وعلى الرغم من تحسن العلاقات بين البلدين، إلا أن تاريخ الخلافات الأيديولوجية والشكوك المتبادلة لا يزال يلقي بظلاله على هذه العلاقات.
هل كوريا الشمالية أداة ضغط أم شريك استراتيجي؟
لا ترى روسيا أن كوريا الشمالية شريك استراتيجي بشكل كامل، ولا مجرد أداة من الضغوط يرى، ولكن دور هذا البلد في السياسة الخارجية وروسيا هي مزيج من هذين الاثنين.
من ناحية، تسمح كوريا الشمالية لروسيا بلعب دور نشط في المعادلات الأمنية والجيوسياسية في شرق آسيا. ومن ناحية أخرى، تستخدم موسكو بيونغ يانغ كأداة لممارسة الضغط على الغرب وإضعاف النفوذ الأمريكي في المنطقة.
وتسمح هذه الاستراتيجية المزدوجة لروسيا بالحفاظ على نفوذها في كوريا بينما تسمح كوريا الشمالية بالحفاظ على نفوذها في كوريا الشمالية. للاستفادة من التوترات الإقليمية لتعزيز مصالحها الوطنية. ومع ذلك، فإن التحديات الاقتصادية والعقوبات ونفوذ الصين تخلق قيودًا خطيرة أمام تحقيق أهداف موسكو.
وبشكل عام، يبدو أن استراتيجية روسيا تجاه كوريا الشمالية تعكس هذا الجهد للحفاظ على التوازن بين المصالح الجيوسياسية والقيود الدولية. ومن خلال انتهاج سياسة مرنة، تحاول موسكو تعزيز نفوذها في بيونغ يانغ، لكن هذا النفوذ لا يزال يطغى عليه نفوذ الصين والضغوط الغربية، وبما أنها تبحث عن شراكة استراتيجية طويلة الأمد، فإنها تستخدم هذا البلد كأداة تكتيكية التعامل مع التهديدات والفرص الإقليمية.
المؤلف: معصومة محمدي، خبيرة القضايا الأوراسية
© | وقد قام مركز ويبانغاه الإخباري بترجمة هذا الخبر من مصدر وكالة تسنیم للأنباء |