Get News Fast
قناة وكالة ويبنقاه على تلغرام

تحليل خطابات الإمام الخامنئي | المواجهة الحضارية بين إيران والغرب

في فكر قائد الثورة، فإن الصراع بين إيران والغرب هو نزاع تاريخي حول ماهية الإنسان ومسار تقدم المجتمع البشري، وحرب حول الهوية والحقيقة ومستقبل العالم.

مجموعة الإمام والقيادة في وكالة تسنيم؛ جعفر حسن خاني: كيف هي مواجهة إيران وأمريكا في المنظومة الفكرية لقائد الثورة؟ هل هي مواجهة سياسية بحتة أم شيء يتجاوز ذلك؟ يبدو أن لهذه المواجهة أبعادًا اجتماعية واقتصادية، والأهم من ذلك ثقافية، وإن كان لا يمكن حصر هذه المواجهة في الأبعاد السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، لأنه من وجهة نظر قائد الثورة، فإن مواجهة إيران وأمريكا هي مواجهة حضارية وهوياتية. إنها مواجهة الحضارة الإيرانية-الإسلامية مع الحضارة المادية الغربية التي لها أسس وتاريخ وقيم متعارضة.

في المنظومة الفكرية لقائد الثورة، يمكن اعتبار مواجهة إيران مع الغرب صدامًا عميقًا وتاريخيًا بين نظامين فكريين وقيميين وحضاريين، حيث يسعى الغرب بأسسه الإنسانية والليبرالية والمادية إلى الهيمنة على ثقافة وسياسة واقتصاد الأمم الأخرى، بينما أصبحت إيران بعد الثورة الإسلامية رمزًا للمقاومة والاستقلال في مواجهة هذه الهيمنة؛ هذا الصدام ليس مجرد مواجهة مؤقتة، بل هو نزاع هوياتي وبنيوي ودائم بين رؤيتين عالميتين متعارضتين، وبالتالي لا يمكن حصر هذه المواجهة في نزاع بين قوة عظمى وقوة إقليمية.

دراسة خطابات وتحليلات قائد الثورة خلال السنة الماضية تؤكد أنه لم يطرأ أي تغيير على رأيه، وهو ما زال ينظر إلى مواجهة إيران والغرب من منظور هوياتي وحضاري. أساس هذا الرأي هو التجربة التاريخية للإيرانيين. حيث يرى قائد الثورة في تطور المواجهة الحضارية بين إيران والغرب أنه في القرنين الأخيرين عندما دخلت الحضارة الغربية إلى إيران، مر الإيرانيون بتجربتين متعارضتين: التجربة الأولى كانت الانبهار والانهزامية أمام التقدم الظاهري للغرب، مما أدى إلى تقليد أعمى، ولكن دون الوصول إلى علوم وتقنياته الأساسية. في هذه الفترة، قام رضا خان بدعم من الغرب بتطبيق سياسة التغريب المتطرفة التي نتج عنها تدمير الهوية الوطنية والتبعية الكاملة. أما التجربة الثانية التي تشكلت بعد مواجهة الأداء الاستعماري للغرب، فشملت معرفة الجوهر العنيف والاستغلالي للغرب. أحداث مثل الاحتلال العسكري، المجاعات المتعمدة، انقلاب 19 أغسطس 1953، وقمع حركة تأميم النفط كشفت الوجه الحقيقي للغرب. هذه الوعي التدريجي أدى إلى المقاومة ورفض التبعية ومهد الطريق لثورة مستقلة تقوم على الهوية الإسلامية-الإيرانية. (11 مارس 2025)

جوهر الحضارة الغربية في المنظومة الفكرية لقائد الثورة

يعتبر قائد الثورة أن الحضارة الغربية شريرة في جوهرها. المعيار الذي يستخدمه قائد الثورة لتوضيح جوهر الحضارة الغربية في الوقت الحاضر هو قضية “الإبادة الجماعية في غزة”.

يعتقد أن أحداث غزة كشفت عن الجوهر الشرير للحضارة الغربية، وأن صمت ودعم الغرب للنظام الصهيوني في مقتل 10 آلاف طفل فلسطيني بريء، شكل أكبر فضيحة وهزيمة تاريخية وهوياتية للحضارة الغربية وأفقدها مصداقيتها.

لماذا لا يتحدث أحد بعد الآن عن الحضارة الغربية؟

بالطبع، من وجهة نظر قائد الثورة، لا يقتصر الشر الجوهري للغرب على دعم الإبادة الجماعية في غزة، بل له جذور في انفصال وعداء الحضارة الغربية للروحانيات والقيم المعنوية وتاريخ الاستعمار الذي بدأ بفرض رغباته على الدول الأخرى والسيطرة ونهب موارد وثروات الدول والشعوب، وتدمير الثقافات والهويات الأصيلة للأمم، وإزالة الحدود الأخلاقية بين الرجل والمرأة، وهيمنة المعايير المزدوجة حول حقوق الإنسان وحرية التعبير وغيرها من ادعاءات الديمقراطية الليبرالية.

أسس الغرب في المنظومة الفكرية لقائد الثورة

من وجهة نظر قائد الثورة الحكيم، على الرغم من أن الحضارة الغربية قد يكون لها مزايا قابلة للاستخدام، إلا أن أسسها خاطئة ولا يمكن أن تكون أساسًا لحركة المجتمع الإسلامي. (8 مارس 2025) وعلى هذا الأساس، طرح نقاطًا مهمة جدًا حول أسس الحضارة الغربية خلال السنة الماضية، ومن بينها:

  1. المادية ومعاداة الروحانية (8 مارس 2025)
  2. أسس حقوق الإنسان الخاطئة (22 يونيو 2024)
  3. خلق شعور بالفراغ لدى الشباب (25 سبتمبر 2024)
  4. الفوضى الأخلاقية (18 ديسمبر 2024)
  5. معارضة القيم الإسلامية (8 مارس 2025)
  6. المعايير المزدوجة في السلوك الدولي (2 نوفمبر 2024)

الإرث الحضاري لإيران

الاعتماد على الهوية الإيرانية-الإسلامية المستقلة، الجمع بين العقلانية الإيرانية والمعارف الإسلامية، المقاومة ضد التثاقف من الغرب، الإيمان بالقدرة الذاتية للأمة الإيرانية، الاهتمام بالجوانب الروحية إلى جانب التقدم المادي، كل هذه الأمور توضح المشروع الحضاري لقائد الثورة في مواجهة الحضارة الغربية. خلال السنة الماضية، أكد قائد الثورة على حماية الإرث الحضاري الإيراني-الإسلامي في مواجهة الحضارة الغربية، ومن بين هذه التأكيدات:

  1. ثراء المعارف الدينية والأخلاقية: وجود رسالات حضارية تستند إلى المعارف الإسلامية والإيرانية، وتحويل إيران إلى نموذج للمقاومة الشجاعة في وجه الظلم العالمي. (26 مارس 2024)
  2. الإرث الثقافي الغني: ضرورة الحفاظ على التراث الثقافي والحضاري للبلاد وتعزيزه. (25 يونيو 2024)
  3. التأكيد على أساسية الديمقراطية الشعبية في التراث الديني: رفض ادعاء اقتباس مفاهيم الديمقراطية من الغرب بالاستناد إلى نهج البلاغة. (25 يونيو 2024)
  4. التأكيد على الحفاظ على اللغة الفارسية: مواجهة غزو اللغات الأجنبية وتشجيع المكافئات الفارسية. (26 مارس 2024)
  5. الموقع الجغرافي الاستراتيجي: التواجد في مفترق طرق الشرق (25 يونيو 2024) والغرب وإمكانية التحول إلى مركز اتصال عالمي. (27 أغسطس 2024)
  6. الاهتمام بالرياضات الإيرانية الأصيلة: الاهتمام الخاص بالرياضات التاريخية وتقديم رياضات أصيلة مثل الزورخانة والبولو على الساحة العالمية. (18 سبتمبر 2024)
  7. الإيمان بالعبقرية الإيرانية: الثقة بقدرات النخب الإيرانية وإمكانية تحقيق تحولات كبرى من قبل الإيرانيين. (2 أكتوبر 2024)
  8. دمج الدين والحضارة في التجربة التاريخية للإيرانيين: التعايش بين التدين والعلم والصناعة، حيث يمثل الحضارة الإيرانية-الإسلامية في أصفهان نموذجًا تاريخيًا ناجحًا. (12 نوفمبر 2024)
  9. الحفاظ على الأصالة الهوياتية: التأكيد على الحفاظ على الزي والمظهر الإيراني للقراء الإيرانيين المشاركين في المسابقات الدولية وتجنب التقليد الأعمى للثقافات الأخرى. (2 مارس 2025)

خاتمة الكلام

في المنظومة الفكرية لقائد الثورة، فإن الهدف النهائي هو تحقيق الحضارة الإسلامية-الإيرانية وإقامة العدالة. (26 نوفمبر 2024) ولتحقيق هذا الهدف، فإن مواجهة أمريكا هي جزء من الطريق. هذه المواجهة ليست مجرد صدام سياسي أو نزاع دولي عادي، بل لها جذور في صراع أعمق، وهو الصدام الحضاري والهوياتي. من وجهة نظره، هذه المواجهة هي نزاع بين نظامين فكريين وقيميين متعارضين: الحضارة الإسلامية-الإيرانية من جهة، والحضارة الغربية الحديثة بأسسها الإنسانية والمادية والليبرالية الديمقراطية من جهة أخرى. هذه المواجهة ليست تاريخية وبنيوية فحسب، بل هي مستمرة ودائمة؛ لأنها مبنية على نوعين من النظرة إلى الإنسان والمجتمع.

يؤكد قائد الثورة على الإرث الحضاري لإيران، ويدعو إلى إحياء الحضارة الإسلامية الجديدة بالاعتماد على الهوية الإيرانية-الإسلامية، والاستقلال الثقافي، والروحانية، والمقاومة، والعقلانية. هذه الرؤية لا تهتم فقط بالماضي المجيد لإيران، بل توضح أيضًا طريق المستقبل. في النهاية، في فكره، فإن صراع إيران والغرب ليس مجرد منافسة بين قوتين؛ بل هو نزاع تاريخي حول ماهية الإنسان ومسار تقدم المجتمع البشري. هذا الصدام هو حرب حول الهوية والحقيقة ومستقبل العالم؛ مستقبل يراه قائد الثورة، في ضوء صحوة الشعوب لإحياء الحضارة الإسلامية، مشرقًا وممكنًا وحتميًا.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى