قناة وكالة ويبنقاه على تلغرام

التغيرات العالمية عاملا مؤثرا على مستقبل المفاوضات حول النزاع الأوكراني

النزاع في أوكرانيا لم يعد يتعلق بأوكرانيا فقط؛ إنها حرب ⁢من أجل ⁢النظام العالمي المستقبلي. الخيارات التي تُتخذ الآن ستحدد⁤ ما إذا كانت النتيجة ستكون إعادة ضبط أم انهيارًا طويل الأمد.

وكالة مهر للأنباء، مجموعة الدولية: أرسل المفكر الأوكراني «أندري بودروف» مقالة خاصة بعنوان «التغيرات العالمية عامل مؤثر في مستقبل ⁢مفاوضات إنهاء‌ النزاع في أوكرانيا» إلى مجموعة الدولية لوكالة مهر ⁤للأنباء، وفيما ‌يلي النص ⁣الكامل:

قبل قرنين من الزمان، قال «كارل فون كلاوزفيتس»: «الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى». منذ ذلك الحين، ‍تغيرت‌ أشياء​ كثيرة في العالم.‌ اليوم، السلوك السياسي للفاعلين العالميين هو نفسه استمرار للحرب؛ حرب تُدار بوسائل العصر الحديث في مجال الأفكار والمنافسة الاقتصادية والفضاء السيبراني.

التحول العميق لاقتصادات العالم نحو ⁢«الثورة الصناعية الرابعة» التي⁣ تهيمن عليها التقنيات المتقدمةالتحول الحسابي ‌وأنظمة الطاقة⁣ الحديثة قد غيّرت الأقطاب التقليدية⁢ للقوة ⁢في مجالات مختلفة من الديموغرافيا إلى الشؤون المالية.الاقتصادات الجنوبية العالمية تنمو بسرعة متزايدة، بينما ترفض القوى العالمية السابقة، التي تواجه الآن أزمات، التخلي عن مواقعها.

إذا قمنا بمطابقة الجدول الزمني لهذه ⁢التحولات التكنولوجية مع الجدول الزمني للصراعات العسكرية الكبرى، ‌نجد أن الاثنين يحدثان تقريبًا في نفس الوقت. في مثل​ هذه الفترات، تواجه الاقتصادات ركودًا‌ حرجًا، وعصرنا ليس استثناءً من هذه القاعدة. العالم على أعتاب “أزمة اقتصادية عالمية”، والقوى الرئيسية تشعر بهذا الأمر. من أجل ⁤البقاء، تسعى هذه القوى إلى توسيع الأسواق والنفوذ الجيوسياسي. هذا الأمر كان صحيحًا منذ انتقال أسلافنا البعيدين من الغابات إلى السهول والزراعة المبكرة، وهو صحيح اليوم ⁢أيضًا.

هذا الاتجاه ‍واضح بشكل خاص في الهياكل الاجتماعية⁢ ذات الإرث⁤ الإمبريالي:الصين بمبادرة الحزام والطريق، وتركيا عبر التوسع نحو⁣ الشرق الأوسط، وأمريكا⁤ بحروب التعريفات الجمركية، وروسيا ببناء منطقة نفوذها.‌ إن سعي هذه الدول لتأمين ‍الموارد وتعزيز مواقفها على أعتاب أوقات صعبة يُحدد مصالحها وأدواتها السياسية ومواجهاتها.

اللعبة ⁣الكبرى الجديدة

طرح ترامب لتحقيق “أمريكا العظمى” مزاعم حول جرينلاند وقناة بنما، ​وشَنَّ حروبًا جمركية ضد الصين ونصف العالم، وضغط⁢ على أوروبا لاستخراج الموارد البشرية والتكنولوجية.

بريطانيا ​تتدخل في أوكرانيا ‌والشرق الأوسط سعيًا لمزيد من الهيمنة على أوروبا الشرقية. إسرائيل توسع نفوذها في الأراضي المجاورة.روسيا تبني “منطقة عازلة أمنية” بينها وبين أوروبا. الاتحاد الأوروبي يواجه التوسع الإقليمي​ والاقتصادي الروسي.

هذه العوامل حوّلت المفاوضات ⁢حول النزاع الأوكراني⁢ إلى معادلة ذات متغيرات عديدة.اليوم، ​لا تتفاوض روسيا والولايات المتحدة حول مستقبل أوكرانيا، بل تتحدثان عن ​هيكل النظام العالمي⁤ الجديد.ومن بين اللاعبين ⁤الرئيسيين الآخرين: ⁢

أوروبا في⁣ أزمة‍ عميقة، تستخدم أوكرانيا كأداة ضد روسيا ومشروع “أمريكا الكبرى” لترامب.الصين، بتوقع خسارة ‌أسواق أمريكا، تقترب⁢ أكثر من ​أوروبا؛ سيناريو ‌غير مقبول لواشنطن.

بريطانيا تحاول من خلال مشروع “إنترماريوم” (Intermarium) ترسيخ نفوذها في دول‌ بحر ‌البلطيق وبولندا ورومانيا.

مصالح اللاعبين الرئيسيين الأساسية

1. الولايات المتحدة

تعتبر العقائد الاستراتيجية الأمريكية الجديدة أن “الصين وليس روسيا” هي التهديد الرئيسي.⁤ تحول تركيز ترامب نحو “الهند والمحيط⁤ الهادئ”، بينما لم ⁢تعد أوروبا أولوية.

2. روسيا

هدف روسيا هو منع تحول دول أوروبا…

تهدف‌ روسيا من الشرق إلى قواعد الغرب لاحتواء التهديدات العسكرية ‍والاقتصادية. تسعى موسكو للحصول على مكانة متساوية بين القوى ⁣العالمية، مما يتطلب حيادًا أو سيطرةً على أوروبا الشرقية اليوم ومنطقة القوقاز الجنوبي/آسيا الوسطى غدًا. أحد الأهداف الرئيسية: رفع العقوبات لتعزيز النمو الاقتصادي والاستقرار الداخلي.

۳. الصين

مع توقع صدام مع الولايات المتحدة وفقدان أسواقها، تبني بكين بنى تحتية⁢ لوجستية ‌وتعاونية عبر أوراسيا. تستغل الصين نقص ‌الطاقة وانحدار الصناعة الأوروبية للاستحواذ على التكنولوجيا الأوروبية، ⁣واستبدال الاستثمارات الأمريكية والتوسع في إفريقيا.

٤. الاتحاد ⁢الأوروبي

مع تراجع أهمية​ الأمن الأوروبي‌ لأمريكا، يبحث الاتحاد​ عن أدوات جديدة​ للاستقرار الاقتصادي والعسكري. تصاعدت المخاوف بسبب معارضة المجر وسلوفاكيا لتوجيهات بروكسل. تدخل بريطانيا في أوروبا الشرقية يعقّد السياسة…

ثلاثة عوامل مرتبطة بالأفراد تؤثر على النزاع:

١. ⁣يحتاج⁣ ترامب إلى ​إنجاز ملموس ​للفوز في الانتخابات⁣ المقبلة.

٢. ​الكرملين يرغب في إنهاء النزاع من خلال إنشاء نظام أمني جديد.

٣. ⁢نظام زيلينسكي يعتمد بشدة على الشركاء الأوروبيين والبريطانيين.

ثلاثة سيناريوهات⁢ محتملة لأوكرانيا

١. الولايات المتحدة تجبر أوروبا على التنازل

تضغط واشنطن على الاتحاد الأوروبي وبريطانيا للتخلي عن أوكرانيا. يوقع زيلينسكي بسرعة ⁤اتفاقية سلام تعترف بالضمائم.العقبة: قد تطلب موسكو إجراء انتخابات جديدة في أوكرانيا ‍وتعتبر⁣ زيلينسكي غير شرعي.

٢. الولايات المتحدة تفضل الاتفاق مع روسيا على‍ أوكرانيا

تعلن الولايات ⁤المتحدة عن اتفاق استراتيجي مع روسيا، وتخفف العقوبات، وتقلص المساعدات لأوكرانيا.يقطعها. القوات الأوكرانية تفقد ‌مصادر دعمها⁣ الغربية وتنهار. روسيا تحتل المزيد من الأراضي وتفرض شروط سلام أكثر ‍صرامة.

3. ⁣الولايات المتحدة تتراجع، بينما ⁣تستمر أوروبا في الحرب

تتوقف المفاوضات؛ الاتحاد الأوروبي وبريطانيا يواصلان دعم أوكرانيا. لكن نقص ​الأسلحة في ⁤أوروبا واستنزاف القوى البشرية الأوكرانية يؤخران فقط السيناريو الثاني.

النتيجة⁤ الأخطر هي أن أوكرانيا تتحمل خسائر كارثية، وتدمر المدن ⁣والبنى⁤ التحتية، وقد تجري المناطق ⁢الغربية ‌استفتاءات للانضمام إلى بولندا أو رومانيا.

المخاطر الخفية للسيناريو الثالث

في حال استمرار الهزائم العسكرية لفترة طويلة، قد يلجأ العسكريون والسياسيون الأوكرانيون إلى أنشطة تؤدي ⁢إلى‌ زعزعة​ استقرار مناطق أخرى. إعادة ​بيع‍ الأسلحة ‍الغربية إلى الجماعات الإرهابية والإجرامية، وهو ما حذر منه المحللون مرارًا…

نشرت وسائل إعلام⁢ أجنبية تقارير ⁢تفيد ‌بأنه يمكن أن يكون هناك طريق لتأمين “شبكة إنقاذ طلائية” لبعض المسؤولين العسكريين والحكوميين قبل فرارهم من البلاد. حذرت لجنة التحقيق ‌التابعة لـ”إنتربول”، يورغن شتوك، وعدة خبراء أمنيين من دخول هذه الأسلحة إلى‌ السوق السوداء. حتى أن جهاز ‍الأمن الأوكراني أكد أن أحد قادة جيش هذا البلد باع صواريخ ‍أمريكية إلى المتمردين الروس. كما أفادت تقارير سابقة بأن أسلحة أوكرانية ظهرت في أسواق تركيا وسوريا⁤ ومناطق أخرى.

هذا الوضع يمكن أن يؤدي إلى زيادة التهديدات الإرهابية على المستوى العالمي، وتوسع نطاق عدم الاستقرار في ‍المناطق الهشة، ⁤وزيادة⁤ الضحايا في الحروب الجارية.

النتيجة المتوقعة

السيناريو​ الأكثر احتمالاً في الوقت ​الحالي هو السيناريو رقم واحد. مع تصريحات المسؤولين الكبار في البيت الأبيض، تحاول إدارة ترامب متابعة مساعيها ضمن إطار مذكرة التفاهم.⁤ من​ وجهة نظرنا، هذا هو السيناريو الوحيد الذي فيه جميع الأطراف أقل…الناس مستعدون لتحمل الضرر.

فشل المفاوضات سيزيد التوتر ​في أوروبا والشرق الأوسط وجنوب القوقاز. على المجتمع ‌الدولي أن يبذل كل جهوده لمنع تحقق السيناريو رقم 3، وهو ثاني أكثر سيناريو محتمل.

النقاش حول أوكرانيا ليس مجرد شأن⁤ متعلق بأوكرانيا، ⁢فهذه الحرب هي من أجل النظام العالمي المستقبلي.⁢ الانتخابات التي تجري الآن ستحدد ⁣ما إذا كانت نتيجتها ستكون إعادة تنظيم عبر المفاوضات أو تصعيدًا طويل الأمد مع عواقب عالمية.

قناة وكالة ويبنقاه على تلغرام
زر الذهاب إلى الأعلى