تل أبيب في برزخ العزلة نتنياهو تحت الضغط هل يوقف إبادة غزة
وكالة مهر للأنباء – مجموعة بين الأمم: شهدت الساحة السياسية والاجتماعية في أوروبا مؤخرًا تأثيرًا كبيرًا لردود الفعل على جرائم الكيان الصهيوني في غزة، حيث تواجه موجة غير مسبوقة من الاحتجاجات الشعبية، والحركات الطلابية، وضغوط دبلوماسية، وإجراءات تحذيرية من دول الغرب التي تُظهر دعمًا صريحًا للتطهير العرقي وسط انهيار شامل.
في الوقت نفسه، مع تصاعد عمليات الإبادة الجماعية في قطاع غزة، لم تقتصر ردود فعل الدول الأوروبية على المواقف الرسمية المتحفظة فحسب، بل اتخذت خطوات عملية لإعادة تقييم علاقاتها مع الكيان الصهيوني. هذه التطورات تشير إلى نقطة تحول محتملة في الموقف الدولي تجاه هذا الكيان.
استكمال الإجراءات ضد الصهيونية في أوروبا
تشهد أوروبا في الأيام الأخيرة موجة من الإجراءات المناهضة للصهيونية على المستويات الدبلوماسية والسياسية والشعبية، ومن المتوقع أن تستمر هذه الإجراءات التي تعتبر من أهم التطورات الحالية.
1. إعادة النظر في اتفاق الاتحاد الأوروبي مع الكيان الإسرائيلي
في خطوة غير مسبوقة، طالبت 19 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي بإعادة النظر بشكل جذري في بنود اتفاق الشراكة مع الكيان الصهيوني. جاء هذا الطلب بالتزامن مع تصاعد عدد الشهداء في قطاع غزة واستمرار القيود المفروضة على إرسال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة والمكتظة بالسكان. الدول المعترضة ترى أن استمرار التعاون السياسي والاقتصادي مع تل أبيب – رغم الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتكبة هناك – أمر غير مقبول.
تتعارض القيم الأساسية للاتحاد الأوروبي، بما في ذلك الدفاع عن حقوق الإنسان، مع هذه الممارسات.
يشمل هذا التقرير انتقادات جديدة للمزايا التجارية والتعاون البحثي والبيانات الرسمية التي استفاد منها الكيان الصهيوني في إطار الاتفاقيات السابقة. حتى إذا أدى هذا التقرير إلى تعليق أو تغيير جوهري في بنود الاتفاق، فقد يشكل نقطة تحول في العلاقات بين بروكسل وتل أبيب.
2. تعليق مذكرات تجارية بين بريطانيا والكيان الصهيوني
قامت الحكومة البريطانية بخطوة غير مسبوقة بتعليق المذكرات المتعلقة باتفاق التجارة الحرة مع الكيان الصهيوني. جاء هذا القرار وسط تصاعد الانتقادات الداخلية والدولية تجاه سياسات نتانياهو في التعامل مع غزة. كما فرض لندن سلسلة من العقوبات المستهدفة على شركات ومستوطنين إسرائيليين في الضفة الغربية، تشمل حظر السفر وتجميد الأصول. هذه هي المرة الأولى منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي التي تتخذ مثل هذه الإجراءات ضد الكيان الصهيوني.
بريطانيا تتخذ خطوة سياسية صريحة وتحذيرية ضد تل أبيب.
يُعتبر هذا الإجراء من قبل المحللين بمثابة خطوة محتاطة لإبراز عدم الرضا، دون المساس الكامل بالعلاقات الاستراتيجية. في الوقت نفسه، تواجه الحكومة البريطانية ضغوطًا من مجموعات حقوق الإنسان وممثلي المجلس الذين يطالبون بفرض عقوبات أشد على النظام الصهيوني. مع الأخذ بعين الاعتبار الخلفية الدبلوماسية الأخيرة بين لندن وتل أبيب، يمكن تفسير هذا التعليق على أنه جرس إنذار لحكومة نتنياهو، وفي حالة استمرار التوترات البحرينية، قد يؤدي إلى إجراءات أكثر صرامة.
3. تحذير مشترك من بريطانيا وفرنسا وكندا
في سياق متصل، حذرت حكومات بريطانيا وفرنسا وكندا بشكل واضح من أن عدم وقف العمليات العسكرية للنظام الصهيوني في رفح واستمرار تقييد المساعدات الإنسانية سيدفعها لاتخاذ إجراءات محددة ضد هذا النظام. جاء هذا التحذير بالتزامن مع تقارير عن تصاعد الانتهاكات في المنطقة.
تواصل العاصفة غير المسبوقة في رفع وإبقاء قيود على ممرات المساعدات المصدرة. أكدت الجهات الرسمية في هذه الدول الثلاث أن مراعاة مبادئ القانون الدولي الإنساني شرط أساسي لاستمرار العلاقات الدبلوماسية والتعاون الاقتصادي.
تكمن أهمية هذا التحذير في أن الدول الثلاث تعتبر من أبرز المناهضين للنظام الصهيوني في المحافل الدولية، ومواقفها غالباً ما تكون محسوبة ومتروية. التهديد باتخاذ إجراءات – رغم عدم تحديد طبيعة العقوبات بعد – يعكس تغيراً في النغمة الدبلوماسية وزيادة الضغط الدولي على تل أبيب. يعتقد خبراء أنه إذا استمرت جرائم النظام الصهيوني واستفزازاته للرأي العام لدول الغرب بالضغط على الحكومات، فقد تؤدي هذه التهديدات إلى فرض عقوبات اقتصادية أو تعليق اتفاقات التعاون العسكري.
4. إدانة إجراءات النظام الصهيوني من قبل أيرلندا
في الأيام الأخيرة، اتخذت أيرلندا موقفاً…
أدان مسؤولون أيرلنديون سياسة “الإبادة الجماعية” التي تنتهجها إسرائيل في غزة. واتهم “مايكل مارتن”، نائب رئيس الوزراء الأيرلندي، في تصريحات حديثة، النظام الصهيوني بارتكاب “إبادة جماعية” في القطاع المحاصر، مؤكدًا أن استمرار هذه الهجمات والتجاهل لحياة المدنيين يفرض على المجتمع الدولي اتخاذ مواقف عملية.كما طالب أعضاء البرلمان الأيرلندي بفرض عقوبات تجارية وقانونية على نظام إسرائيل في المحاكم الدولية. وتاريخيًا، تُعد أيرلندا من أكثر الدول الأوروبية انتقادًا للسياسات التوسعية للصهاينة، إلا أن الخطاب الرسمي الأخير لهذا البلد أصبح أكثر وضوحًا وحدة.
هذا الموقف يتزامن مع تصاعد الاحتجاجات الشعبية في دبلن وغيرها من المدن الأيرلندية.ورغم أن أيرلندا ليست لاعبًا اقتصاديًا كبيرًا، إلا أن مواقفها الصريحة قد تشكل نموذجًا لدول أخرى في الاتحاد الأوروبي، خاصة تلك التي لديها تاريخ من التعاطف مع القضية الفلسطينية.
5. انتفاضة اجتماعية ضد جرائم إسرائيل؛ من الشارع إلى الجامعة
شهدت الأيام الأخيرة موجة غير مسبوقة من الاحتجاجات الشعبية والأكاديمية في أوروبا ضد السياسات التوسعية للنظام الصهيوني. خرج مئات الآلاف في مدن مثل لندن ولاهاي ومدريد وباريس وبرلين إلى الشوارع، رافعين شعارات تضامناً مع شعب غزة وإدانة للحصار والهجمات العسكرية، معبرين عن رفضهم استمرار علاقات حكوماتهم بتل أبيب. هذه التظاهرات الواسعة التي حظيت بتغطية إعلامية ودعم من مؤسسات حقوق الإنسان، تعكس تحولاً عميقاً في الرأي العام الأوروبي تجاه القضية الفلسطينية. شاركت في هذه الاحتجاجات شرائح متنوعة من المجتمع بدءاً من العمال وحتى الفنانين والأطباء.
في هذا الإطار، أصبحت الجامعات المحور الثاني لهذه الانتفاضة الاجتماعية. ففي هولندا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، تجمّع الطلاب داخل المباني الجامعية وأنشأوا مخيمات واحتلوا قاعات الدربانيه تطالب بقطع التعاون العلمي والمالي مع الكيانات الصهيونية
في العديد من الحالات، دعم أعضاء هيئات التدريس هذه الاحتجاجات، واضطرت بعض الجامعات تحت ضغط الرأي العام إلى توضيح استثماراتها وعلاقاتها الخارجية.
هذه الوحدة بين الشارع والجامعة تشير إلى تشكيل تيار بنيوي ضد التطبيع مع الكيان الصهيوني؛ تيار يمكن أن يجبر الحكومات على اتخاذ قرارات دبلوماسية أكثر جرأة.
التبعات المحلية-الإقليمية-الدولية للإجراءات المعادية لإسرائيل على تل أبيب ونتنياهو
تشير الموجة الأخيرة من الإجراءات المعادية للصهيونية في أوروبا – من العقوبات الرمزية إلى الاحتجاجات الشعبية الواسعة – إلى انخفاض ملحوظ في رأس المال الرمزي وشرعية الكيان الصهيوني الدولية.في الغرب؛ وهي ثروة تم الحفاظ عليها خلال العقود الماضية باستخدام الروايات الأمنية المزيفة والضغوط الدبلوماسية. لم يؤد هذا المسار إلى تشويه الصورة الأخلاقية للكيان الصهيوني في الرأي العام فحسب، بل زاد أيضًا الضغط على الحكومات الأوروبية لإعادة النظر في علاقاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية مع تل أبيب. ومن وجهة نظر المراقبين، يمكن لهذا التطور على المدى البعيد أن يؤدي إلى إضعاف حاد لمكانة الكيان الصهيوني في المؤسسات الدولية المعتبرة.
ومن الناحية الاقتصادية، فإن التحذيرات والعقوبات غير المباشرة من أوروبا، خاصة في المجالات الأكاديمية والتجارية والتكنولوجية، قد تكون مكلفة لاقتصاد الأراضي المحتلة. العديد من المشاريع البحثية المتقدمة، خصوصًا في مجالات التكنولوجيا والأمن السيبراني والطب، تم تصميمها بمشاركة مؤسسات أوروبية. وفي حال استمرار الضغوط، من المحتمل أن يحرم الكيان الصهيوني من الوصول إلى موارد علمية ومالية كبيرة. علاوة على ذلك، فإن الشركات الدولية التي تعمل في الأراضي المحتلة…
قد تواجه الشركات التي استثمرت هناك عقوبات اجتماعية أو تهديدات بالمقاطعة، مما سيؤدي إلى انخفاض تدفق رأس المال الأجنبي.
على الصعيد الداخلي، يمكن لهذه التطورات أن تزيد من إضعاف الشرعية السياسية لبنيامين نتنياهو. حكومته تواجه بالفعل أزمات متعددة تشمل استياءً داخلياً وانقساماً سياسياً عميقاً وفشلاً عسكرياً في غزة. الإجراءات الدولية ضد الكيان الصهيوني، خاصة من الحلفاء التقليديين، قد تُفسَّر كمؤشر على العزلة المتزايدة لحكومة نتنياهو، وتوفر وقوداً إضافياً لمعارضيه السياسيين داخل الأراضي المحتلة.
أخيراً، قد تؤدي الضغوط الاجتماعية والقانونية من أوروبا إلى تغيير في موازين القوى الجيوسياسية بالمنطقة. تراجع الدعم غير المشروط للكيان الصهيوني في أوروبا قد يفتح المجال لصعود نفوذ دبلوماسيات دول أخرى، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. كما قد تبرز دول عدم الانحياز والعالم…
بإمكان إيران أن تعزز مواقفها في المحافل الدولية بالاستناد إلى هذه الإجراءات. لذا، رغم أن الإجراءات الأوروبية الأخيرة لا تزال في مرحلة التحذير والضغط الناعم، إلا أنها قد يكون لها تبعات استراتيجية وبعيدة المدى على السياسة الخارجية والهيكل الداخلي للسلطة في الأراضي المحتلة إذا استمرت أو تصاعدت.
هل سينسحب نتنياهو؟
ما تشكّل مؤخراً في أوروبا من عقوبات سياسية واحتجاجات شعبية وضغوط أكاديمية وتعليق التعاون الاقتصادي ضد الكيان الصهيوني، ليس مجرد رد فعل عاطفي، بل هو مؤشر على تحول استراتيجي في الرأي العام والسياسة الدولية للغرب تجاه سلوكيات تل أبيب. خاصةً أن هذه الضغوط لا تأتي فقط من منتقدي الكيان التقليديين، بل أيضاً من حلفائه التاريخيين مثل بريطانيا وفرنسا، وحتى مع انعدام الثقة الواضح من البيت الأبيض تجاه حكومة نتنياهو.
في هذا السياق، كشفت صحيفة “يديوت أحرونوت” العبرية مؤخراً عن تصريحات لمسؤول في وزارة الخارجية التابعة للنظام الصهيوني، أكد فيها على الوضع الدبلوماسي الخطير الذي يواجهه النظام. وفقاً للمسؤول، فإن النظام الصهيوني يواجه حالياً “تسونامي حقيقياً”، حيث انخفض إلى أدنى مستوى من المكانة الدولية، وتوسعت دائرة العقوبات ضدها، كما تراجع استعداد المجتمع الدولي للتعاون مع تل أبيب. كل هذه المؤشرات تدل على تراجع الدعم الدولي غير المشروط لهذا النظام.
حتى استدعاء سفير النظام في لندن وتعليق الاتفاقيات الاقتصادية مع الدول الغربية يُعدّ جرس إنذار خطير لاقتصاده وسمعته العالمية.
مع ذلك، يبرز سؤال جوهري: هل يمكن لهذه الموجة غير المسبوقة من الضغوط أن تؤدي إلى تغيير في سلوك نتنياهو تجاه غزة؟ التاريخ يشير إلى أن نتنياهو خلال فترات سابقة…
نادرًا ما أظهرت إسرائيل مرونة أمام الضغوط الخارجية، وقدّمت دائمًا الأولوية للبقاء السياسي الداخلي وإرضاء الأجنحة اليمينية المتطرفة. لكن الوضع الحالي يختلف لأن الشرعية الدولية، بل حتى التماسك الداخلي في الأراضي المحتلة، أصبحا تحت تهديد شديد.
لذلك، رغم عدم القدرة على الجزم بتراجع نتنياهو علنًا، فإن استمرار هذا المسار وموجة الضغوط العالمية قد يحدان بشدة من هامش مناورته ويجبران رئيس وزراء الكيان الصهيوني على قبول بعض الاعتبارات الدولية أو حتى مراجعة النهج العسكري في غزة؛ ولو كان ذلك تكتيكيًا لتخفيف الضغط.وبالتالي، فإن مستقبل السلوك السياسي للكيان الصهيوني سيبقى رهنًا بتوازن بين هذه الضغوط الخارجية والتناقضات الداخلية.
مصادر الخبر: © وكالة ويبانقاه للأنباء, وكالة مهر للأنباء