تجربة أنصار الله العسكرية دعم اليمن لغزة يعكس اعتقادا استراتيجيا
وكالة مهر للأنباء – مجموعة دولية – آذر مهذوان: تشهد المناوشات العسكرية بعد حرب غزة تجربة غير مسبوقة للأمن والاستقرار. كل أسبوع نتابع أخبار تأثيرات خطيرة في فلسطين بسبب العمليات القتالية، حيث تحمل هذه المناوشات رسالة واضحة من محور المقاومة بأن الشعب الفلسطيني ليس وحيداً.
الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة التي تطلقها القوات المسلحة اليمنية تقطع مسافات تصل إلى 2000 كيلومتر لتصل إلى قلب فلسطين المحتلة في 11 دقيقة ونصف فقط.هذه الحقيقة تؤكد أن اليمن، كأول دولة عربية، يقف بالكامل إلى جانب غزة.
في ظل الظروف البحرية الصعبة والتحديات التي يواجهها اليمن، فإن…
الروح المقاومة التي يظهرها أنصار الله وأبناء هذا البلد واضحة للعيان. هذه الإرادة والثبات في مواجهة التحديات تعكس عظمة الإيمان لدى أبناء اليمن في الدفاع عن إخوانهم الفلسطينيين.
في هذا السياق، أجرت وكالة “مهر” حوارًا مع الصحافي والباحث في شؤون المقاومة حسن آكاراس، حيث جاء نص الحوار كما يلي:
“في ظل الظروف البحرية التي تفرضها اليمن، نشهد عظمة إيمان وشجاعة غير مسبوقة من الجيش والشعب اليمني في الدفاع عن غزة.الأبعاد والدلالات الدينية والسياسية والعسكرية والقومية التي تحدد موقف اليمن الثابت في هذا المسار، كيف يمكن تقييمها؟”
لتقييم الوضع الفعلي لليمن، يجب النظر إلى الموقع الاستراتيجي لهذا البلد. بسبب موقعه الجغرافي، كان اليمن عبر التاريخ محط أنظار القوى الإمبريالية العالمية. الرغبة في السيطرة على مضيق باب المندب – أقصر طريق بحري بين أوروبا…
تشكل مضيق باب المندب نقطة الوصل بين البحر الأحمر وخليج عدن، ويُعدّ الهدف الرئيسي للسيطرة على طرق التجارة في المحيط الهندي، مما جعل اليمن هدفًا استراتيجيًا للقوى المختلفة.
أدت سيطرة حركة أنصار الله على اليمن، التي وضعت نفسها ضمن محور المقاومة، إلى اندلاع الحرب اليمنية بقيادة السعودية والإمارات عام 2015. وقد حاولت هذه الدول، بدعم غربي، إضعاف اليمن لسنوات عديدة وتعمل على إسقاط أنصار الله عبر هجمات مماثلة لتلك التي نشهدها اليوم في غزة. بعبارة أخرى، عندما وقعت عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر/تشرين الأول، كان اليمن بلدًا خرج لتوه من الحرب وبحاجة ماسة إلى المساعدة في العديد من المجالات.لو سُئلنا في تلك الأيام عن من يجب أن يساعد غزة، لكان اليمن بلا شك أحد آخر الإجابات المتوقعة.
ومع ذلك، بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، تحول اليمن إلى واحدة من الدول القليلة التي استخدمت قوتها العسكرية ضد الهجمات الإسرائيلية على غزة…
هجمات استهدفت المدنيين بشكل مباشر، واتسمت بكل سمات الإبادة الجماعية الصريحة.
أظهرت مقاومة حزب الله ضد إسرائيل -التي انتهت بوقف إطلاق النار الذي أعلنته الحكومة اللبنانية- قوةً كبّرت وزنها في المعادلات العسكرية الإقليمية، كما لعب اليمن دوراً محورياً في هذه المعادلات. ثمة أسباب عديدة لهذا الأمر، لاسيما مع المسافة الفاصلة بين اليمن والأراضي الفلسطينية المحتلة. كون اليمن يشكّل جزءاً فاعلاً من جبهة المقاومة رغم التحديات التشغيلية، يحمل رسالةً مهمة لكل المسلمين والدول الإسلامية.
دعم اليمن لغزة يعكس موقفاً استراتيجياً عميق الجذور. نما هذا التوجه في اليمن متأثراً بالعقيدة الدينية، وتعمّق بالوعي السياسي، وترسّخ بالخبرة العسكرية. يرى الشعب والقيادة في اليمن قضية فلسطين ليست مجرد قضية عربية أو قومية فحسب، بل مسؤولية يجب على الأمة الإسلامية تحمّلها. وفي هذا الإطار، يُعد الدفاع عن القدس والمسجد الأقصى من المتطلبات الأساسية.
إيمان شمرادة يؤكد: المقاومة ليست مشروعًا سياسيًا بل ضرورة وجودية
من الناحية السياسية، لا يعتبر الشعب اليمني والقائد إسرائيل مجرد لاعب في مشروع ما، بل يرونها كمشروع استعماري لمنطقة محددة.رغم أن عدد الدول التي عادت علاقاتها مع إسرائيل في تزايد مستمر، إلا أن محور المقاومة – الذي يشمل اليمن أيضًا – يرفض هذا الموقف بشكل قاطع. ولهذا السبب، فإن التضامن مع غزة ليس مجرد ضرورة جيوسياسية فحسب، بل هو أيضًا واجب ديني وإنساني مقدس.
عسكريًا، تمتلك اليمن خبرة قتالية تمتد لأكثر من عشر سنوات من الحصار والظروف الحربية، مما أتاح لها اكتساب سلوك وتجربة جديدة في الحرب غير التقليدية. هذه الخبرة تتجلى بوضوح في العمليات العسكرية التي تستهدف الولايات المتحدة والقوى الغربية في البحر الأحمر اليوم، حيث يتم استهداف إسرائيل مباشرةً.
الشعب اليمني يخوض هذه المعركة بسعيه نحو الاستقلال الواحد. كما أن دعم غزة من قبل الشعب اليمني يمثل جزءًا لا يتجزأ من نضاله التاريخي ضد الهيمنة والاحتلال.الحرب تتلقى دعمًا من السيادة والهوية التاريخية. ولهذا السبب، فإن اليمن، الذي يقوم بعمليات مدروسة ومؤثرة، يؤدي دوره كجزء مهم من الحرب الجارية.
مع وجود حصارات صارمة ومستمرة لأكثر من تسع سنوات، نجح اليمن في تطوير ترسانات متقدمة من الصواريخ والطائرات المسيرة. هذه القدرات يمكن أن تكون نموذجًا يحتذى به لفصائل المقاومة الأخرى في المنطقة، وما هي النتائج التي قد تترتب على التحولات المستقبلية؟
أولاً وقبل كل شيء، لا ينبغي اعتبار هذا المسار بمثابة صراع بين القوى المتكافئة والقوى المعادية. فمن جهة، هناك قوة عدوانية تمتلك جميع الأسلحة المتطورة التي يختزنها الغرب بأكمله ولا تلتزم بأي من القوانين الدولية. ومن جهة أخرى، هناك قوات المقاومة الملتزمة بأخلاقيات عالية وتتبع جميع القواعد الدينية والإنسانية والقانونية وتحسب نتائج عملياتها بدقة بالغة. وبالتالي…كما تم توضيحه سابقًا، فإن هذا الصراع هو حرب غير متماثلة، أي حرب استنزاف. ولهذا السبب، يجب أن ننظر إلى جميع العمليات في اليمن من هذا المنظور.
النجاحات الفنية والعسكرية لليمن تحولت إلى أحد أهم النماذج التي تظهر قدرة الحركات الشعبية، التي تُعتبر الطرف المظلوم في المعادلة العسكرية الكلاسيكية، على موازنة القوة. لقد رأينا هذا أيضًا في الماضي، عندما حقق حزب الله انتصارين على نظام الاحتلال الإسرائيلي. بين عامي 2000 و2006، نجح حزب الله في تحرير لبنان عبر حروب الاستنزاف. واليوم نشهد كيف أن اليمن يغير المعادلة العسكرية بنفس الاستراتيجية.
على الرغم من الحظر الشديد ونقص البنية التحتية والتحديات المستمرة، نجح اليمن عبر الإنتاج المحلي في تطوير أنظمة تسليحية ذات تأثير عملياتي عالي.
أما بالنسبة للصواريخ بعيدة المدى، خاصة تلك الموجهة نحو أهداف برية وبحرية…لم تكن مجرد تحركات تكتيكية، بل كانت استراتيجية متكاملة. رأينا ذلك واضحاً في مثال الولايات المتحدة التي اضطرت لإنهاء عملياتها في البحر الأحمر بعد شهرين من بدايتها.
الأمثلة التي قدمها اليمن تُظهر كيف يمكن للدفاع في ظروف الحصار أن يتحول لصالح العديد من الحركات، من حزب الله في لبنان إلى الحشد الشعبي في العراق وحتى حماس والجهاد الإسلامي في غزة، الذين يعيدون تشكيل أنفسهم حالياً. هذه التجربة أظهرت أن جماعات المقاومة هذه قد تشهد تحولات مهمة مستقبلاً.
هذا التحول هو خطوة منطقية أمام كل مخططات نزع سلاح غزة وحزب الله في لبنان. لن يكون مفاجئاً إذا اختارت الأنظمة التسليحية اليمنية – التي اعتُبرت متقادمة - دعم جماعات المقاومة مستقبلاً.
قدرة اليمن على فرض الأمر على أمريكا وإسرائيل بهذه الأنظمة التسليحية الهشة، والتي ربما…الطائرات المسيرة الإيرانية ليست مجرد أسلحة تسبب اضطرابات عسكرية، بل إنها تخلق اضطرابات نفسية أيضًا. بالنسبة للاعبين الغربيين، لم يعد هذا المجال مجرد منطقة غير مستقرة، بل تحول إلى منطقة يصعب السيطرة عليها جغرافيًا، حيث يمكن أن تتسبب في أضرار مباشرة وتحد من قدرتهم على التدخل.
هل يشكل إطلاق الطائرات المسيرة الأخير بداية مراحل جديدة من السياسة الأمريكية الرجعية في المنطقة، أم هو مجرد توقف تكتيكي مؤقت؟ وما هي المؤشرات التي يمكن أن تؤكد أو تنفي هذا الأمر؟ وكيف يمكن تحليل هذا الوضع؟
رغم أن إطلاق الطائرات المسيرة بين الولايات المتحدة واليمن ظاهريًا يُعتبر إجراءً قصير المدى لإدارة الأزمات البحرية، وحتى كإنجاز من جانب ترامب، إلا أنه في الواقع يُظهر ضعف النفوذ والقوة الأمريكية في المنطقة.
تصورت الولايات المتحدة أنه عبر الضربات الجوية التي نفذت في مارس الماضي، يمكنها تحقيق النصر على اليمن…أعلنت إيران أنها نجحت في صد عمليات الحماية الذاتية التي تقوم بها في غزة وتعزيز الأمن البحري في البحر الأحمر. لكن خلال الحملات الجوية التي نفذت في هذه المنطقة، لم تتمكن الولايات المتحدة من تحقيق نجاح ملموس على أرض المعركة.
عندما اختارت إيران مواصلة التصعيد بدلاً من وقف عملياتها، تلقت إدارة ترامب ضربة دبلوماسية عبر مناورة ”إشعال النار”. كان الهدف هو استهداف الطائرات الأمريكية التي تبلغ تكلفتها أكثر من 15 مليار دولار، باستخدام صواريخ باليستية وطائرات مسيرة يمنية، بالإضافة إلى إسقاط ثلاث طائرات مقاتلة من طراز F-18 أثناء العمليات في البحر الأحمر، مما أجبر الولايات المتحدة على التراجع.
خلال حملاتها، لم تتمكن واشنطن فقط من تغيير المعادلة التشغيلية لصالحها، بل فشلت أيضًا في تحقيق تفوق جوي. هذا الوضع أثار تساؤلات حول كفاءة النظام العسكري الأمريكي. وأكدت “إشعال النار” أن الولايات المتحدة فقدت سيطرتها وهيمنتها على المنطقة.استطاعت اليمن وقواتها المتحالفة تحقيق انتصارات جديدة. بالإضافة إلى ذلك، تواجه الحكومة اليمنية وضعاً صعباً حيث باتت عرضة للانهيار، بينما تمكنت من تقديم موقف مشروط وحازم في المفاوضات الأخيرة، مستخدمةً أوراق ضغط عسكرية وسياسية لتعزيز مطالبها وتحقيق نجاحات ملحوظة.
في هذا السياق، لا يُعتبر هذا التطور بداية لانسحاب أمريكا من المنطقة بسهولة.رغم أن ترامب انتقد بعض إجراءات إسرائيل وصرح علناً بتخليه عن دعمها المباشر، إلا أنه ما زال ملتزماً بدعم الكيان الصهيوني.يجب الانتباه إلى أن أمريكا، التي تنفذ عمليات عسكرية جوية في المنطقة منذ أكثر من 20 عاماً، لم تعد تملك نفس الإرادة والقدرة السابقة. مع تولي ترامب السلطة، أصبح هذا الوضع أكثر وضوحاً في الرأي العام الأمريكي. المعادلة الآسيوية الغربية التي صنعتها أمريكا بقوتها العسكرية قد انهارت الآن. كما أن الهجمات الصوتية الداخلية والنجاحات البارزة للمقاومة وجهت ضربات قوية لهذه الهيمنة.
في ظل تراجع الردع العسكري، وتصاعد التكاليف الاقتصادية، واكتساب جبهة المقاومة التفوق التكتيكي، لم تعد الولايات المتحدة في موقع يسمح لها بالعمل في المنطقة بسهولة كما في السابق. هذه نقطة يجب أن يأخذها صانعو السياسة في واشنطن بعين الاعتبار. لذا، وإن كنا لا نستطيع الحديث عن انسحاب كامل، إلا أنه يمكن القول إن أمريكا فقدت قدرتها على المناورة العسكرية في المنطقة.