رواية 12 يوما من اليأس لماذا دخلت أمريكا الحرب لصالح الكيان الصهيوني
وكالة مهر للأنباء – مجموعة دولية: بعد 12 يوماً من المواجهات الدامية، تم وقف إطلاق النار بين إيران والكيان الصهيوني. لكن السؤال الجوهري في التحليلات الأمنية والسياسية يبقى: لماذا دخلت أمريكا مباشرة في هذه الحرب المستعرة؟
قرار البيت الأبيض بالمشاركة العسكرية لم يكن فقط بدافع دعم الكيان الصهيوني كحليف تقليدي، بل أيضاً بسبب هشاشة بنيته العميقة ومخاوفه من الانجرار إلى حرب استنزاف طويلة وخوفه من تغير موازين القوى الإقليمية لصالح إيران، وهو أمر قابل للنقاش.
سقوط أسطورة ”المنعة” الصهيونية
الكيان الصهيوني خلال العقد الماضي…
إيران كشفت عن منظومة دفاعية ذكية قادرة على جمع معلومات لا منافس لها، تشمل “قنباد آهنين”، “فلاخن داوود”، و”بيكان”. لكن خلال الحرب التي استمرت 12 يوماً مع إسرائيل، لم تثبت هذه الادعاءات لا في الإعلام ولا في أرض المعركة.
أطلقت إيران هجمات مباشرة ومتعددة الاتجاهات على العمق الاستراتيجي للكيان الصهيوني، شملت هجمات من الشمال والجنوب عبر طائرات مسيرة، كروز، بالستيك وحتى صواريخ سطحية من الخليج الفارسي.هذه الهجمات وضعت المنظومات الدفاعية الإسرائيلية فعلياً في موقف محرج.
كمثال، في الساعات الأولى من اليوم الثالث للحرب، استهدفت الطائرات المسيرة الإيرانية مناطق حيوية مثل تل أبيب، حيفا وعسقلان. أصابت الطائرات المسيرة البنية التحتية الصناعية الحيوية وخطوط نقل الكهرباء ومستودعات الوقود والقواعد العسكرية. صور التصوير المباشر لأضرار شمال تل أبيب…انقطاع التيار الكهربائي في حيفا والاضطرابات الواسعة في مطار بن غوريون أثارت مخاوف الرأي العام الإسرائيلي وأشغلت الأوساط السياسية والدوائر الغربية.
مع أن أجهزة النظام الصهيوني تميل إلى التقليل من الأرقام الفعلية وتعلن أعداداً أقل بكثير، إلا أن وزارة صحة الكيان اعترفت بمقتل 20 شخصاً وإصابة أكثر من 1500، بالإضافة إلى آلاف المشردين. الخسائر المادية أيضاً كانت كبيرة، حيث قدرت وزارة المالية الإسرائيلية الخسائر المباشرة بنحو 7 مليارات دولار شملت البنى التحتية ومقرات المخابرات والمنشآت العسكرية ومحطات الطاقة والمرافق العامة.
رغم الدعم الإعلامي الأمريكي، فإن عمليات الموساد والأجهزة الأمنية الإسرائيلية الأخرى واجهت انتقادات حادة. الضربات الإيرانية لم تكن ملحوظة فقط من حيث العدد والشدة، بل أيضاً من حيث الدقة في استهداف المنشآت الحيوية وتزامن العمليات، مما فاق التوقعات الإعلامية للنظام الصهيوني. هذا يؤكد أن “التل أبيب” كانت غافلة تماماً عن هذه الضربات وفوجئت بها.أعلنت القيادة الإسرائيلية لأول مرة في تاريخها عن عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن القومي، اعترفت خلالها علناً بالفشل في صد الهجوم الدفاعي. كما تأثرت التصورات الداخلية بشدة بهذا القرار.
شهدت تل أبيب ورمات غان وبئر السبع تظاهرات حاشدة رفعت شعارات مثل “كذبوا، نحن لسنا آمنين”، مما يعكس حالة السخط الشعبي.
الهزيمة الاستراتيجية لتل أبيب والأمن المنهار من واشنطن
كان أحد أهم دروس الحرب التي استمرت 12 يوماً للمراقبين الإقليميين والدوليين هو انكشاف الواقع العسكري واستراتيجيات الكيان الصهيوني دون الاعتماد على الدعم الأمريكي غير المشروط. خلافاً للادعاءات الأخيرة التي روجت لفكرة الاكتفاء الأمني الذاتي والقدرة الهجومية المستقلة، كشفت هذه المعركة أن إسرائيل تعتمد بشكل كبير على الدعم الفني والاستخباراتي والعملياتي من الولايات المتحدة حتى في الدفاع عن عمقها الاستراتيجي.
في الساعات الأولى للحرب، أصدر قائد أركان الجيش الإسرائيلي…إسرائيل، عبر بياناتها الاستفزازية وعروض القوة في وسائل الإعلام، حاولت خلق جوّ نفسي جماعي تحت السيطرة. لكن الردّ الكوبندي الدقيق والمتعدد الأوجه من إيران، جعل كل التهديدات الأولية تتبدد كالسراب.
بإصابة مواقع إيرانية في صحراء النقب وإصابة محطة الطاقة الكهربائية “حيفا”، وجد الجيش الإسرائيلي نفسه غارقاً في دوامة عملياتية حيوية. مع استمرار الهجمات وإفراغ مخازن الرادارات وتجهيزات “الريهاب” الحديدية، عجز المسؤولون الصهيونيون عن طلب مساعدة عاجلة تسليحية واستخباراتية من البنتاغون.
في اليوم الرابع للحرب، كشفت صحيفة “هارتس” عن عقد اجتماع طارئ مشترك بين قادة الجيش الإسرائيلي وممثلي “السنتكوم” (القيادة المركزية الأمريكية في المنطقة) في مقرّ كرمل العسكري. خلال الاجتماع، طالبوا رسمياً بتحويل فوري لوحدات الرادار وأنظمة الضدّ الداخلي وصواريخ “التامير” والدفاعات الأخرى. بعد ساعات أقلعت طائرات عسكرية أمريكية حاملة معدات متطورة…منصة “رامشتاين” الألمانية تدخل ساحات العمليات العسكرية. هذا التقرير يحمل لحظات تاريخية حيث شهدت فيه أروقة وزارة الدفاع الإسرائيلية انهياراً واضحاً وصريحاً للنظام الصهيوني.
ومن جهة أخرى، أفادت مصادر إعلامية مستقلة بأن أكثر من 70% من عمليات الرصد والتعرّف على الطائرات المسيّرة الإيرانية خلال أيام الحرب، تم تنفيذها مع التركيز على معدات التجسس الأمريكية.
من الناحية النفسية والسياسية أيضاً، تعمّق عدم التماسك الداخلي للنظام الصهيوني. حاولت حكومة الحرب الصهيونية في بياناتها الرسمية تكرار عبارة “الدعم القاطع من الحليف الأمريكي”، لكن الأفكار العامة التي ظهرت توحي بأن الواقع الميداني يثبت عدم قدرة أمريكا على استمرار الحرب.
كاريكاتير مشهور نُشر في صحيفة “لو موند” الفرنسية، والذي يُظهر نظاماً إسرائيلياً خلف ظهر جندي أمريكي متخفٍ، عبّر عن هذا الإدراك الدولي الواسع.
في النهاية، ما تم كشفه خلال هذه المعركة…الخليج الفارسي: نيزي فراتر من طلب مساعدة عسكرية أو تعاون كان استراتيجية. النظام الصهيوني، بدلاً من اعتماد نهج تكتيكي في بناء استراتيجيته، أظهر عدم قدرة أمريكا على الحفاظ على وجودها العسكري والأمني أمام إيران.
هراس محور غربي-عبري من استراتيجية إفشال إيران
في صميم قرار أمريكا بالدخول المباشر إلى الحرب، كان أكثر من أي شيء آخر هو الخوف من الانخراط في معركة فارسية غير متوقعة وغير قابلة للاحتواء. واشنطن تدرك جيداً أن الحرب مع إيران، على عكس الصراعات قصيرة المدى مع لاعبين غير تقليديين، يمكن أن تتحول إلى بحران متعدد الأوجه بعواقب منطقية وعالمية. إيران، خلافاً للحسابات الغربية التقليدية، لا تملك فقط نظاماً متجذراً في أراضيها، بل قامت بإنشاء شبكات مع حلفاء إقليميين مما يوفر قدرة على الصمود الذكي الذي لا يمكن التنبؤ به.
منذ اليوم الأول للحرب الخامسة، أصبحت علامات صراع طويل الأمد واضحة: استمرار حرب العصابات…الشكوك حول إيران، إعلان استعدادات في جنوب لبنان، هجمات صاروخية من العراق على قواعد أمريكية في سوريا، تهديد أنصار الله باليمن بضرب باب المندب، ومن جهة أخرى، التدهور التدريجي للجيش الإسرائيلي بسبب تكرار الهجمات، وتزايد الضغوط على اللوجستيات. نفس التحليل في المراكز العسكرية الأمريكية أشار بوضوح إلى مكان خطير حيث ذكر تقرير لبنتاغون يوم الأحد الماضي: “استمرار العمليات الفعلية قد يستنفد قدرات الدفاع الإسرائيلية خلال أسبوعين.”
نفس التجربة في أفغانستان والعراق وحتى ليبيا ضمن استراتيجية أمريكا تبقى شاهدة على أن أي مواجهة ممتدة ستتحول إلى مستنقع وتؤدي إلى خسائر غير محسوبة. الآن، السيناريو المشابه يتكرر في قلب الشرق الأوسط مع فارق أن الخصم هذه المرة دولة قوية تمتلك قدرات عسكرية وصموداً. أمريكا أدركت جيداً أنه كلما طالت هذه المواجهة، زادت الخسائر الاقتصادية والنفسية والجيوسياسية لإسرائيل وحلفائها.
في سياق محاولاتها لتحسين صورتها، أصبحت واشنطن أكثر طلبًا للحروب.
في الوقت نفسه، حذر المحللون الأمنيون من أن أي مواجهة عسكرية بين إيران والغرب لن تقتصر على الكيان الصهيوني فقط، بل ستضع النظام الإقليمي المرتبط بأمريكا أمام زلزال كبير. كشفت التقارير عن استنزاف الاحتياطات العسكرية الإسرائيلية، والخلل في مسار الطاقة شرق المتوسط، وهروب رؤوس الأموال من تل أبيب، وحتى الارتفاع غير المسبوق في أسعار التأمين البحري في المنطقة كأحد تبعات هذه التطورات.
وحذرت المؤسسات الاقتصادية الدولية من أن استمرار هذا الوضع قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار العالمية للنفط والغاز وانهيار سلاسل التوريد الحساسة – وهو ما لا تستطيع واشنطن تحمله.
على مستوى الإعلام أيضًا، ظهر الكيان الصهيوني ضعيفًا وعاجزًا عن تغيير نتيجة الهجوم الذي تعرض له. هذا التحول في الرأي العام يضع واشنطن في موقف ضعف دعائي واضح.