المحتجون المحليون والأجانب لماذا أصبح معيار ترامب مزدوجًا؟
وكالة مهر للأنباء، قسم الأخبار الدولية، حسن شكوهي نسب: في الأيام التي شهدت شوارع لوس أنجلوس احتجاجات مهاجرين بينما انتشرت القوات الفيدرالية بمعدات عسكرية فيها، تصاعدت التساؤلات حول رد فعل إدارة ترامب المكلف والقاسي، خاصة مقارنةً مع تخاذلها الواضح خلال أزمة السادس من يناير 2021.
في ذلك اليوم، عندما اقتحم مؤيدو ترامب خلال ولايته الأولى مبنى الكونغرس واحتلوا المؤسسة التشريعية للولايات المتحدة، امتنع عن إصدار أمر بنشر الحرس الوطني. أما اليوم فإن الرئيس نفسه أصدر أمراً أحادياً بنشر الحرس الوطني ومشاة البحرية لقمع المحتجين المشاركين في التظاهرات المناهضة للهجرة.
تطرح هذه الأسئلة: هل هذا السلوك المزدوج ناتج عن اختلاف في مستوى التهديد، أم أن جذوره تكمن في هوية المحتجين؟ هل يتبع ترامب سياسة متسامحة مع مؤيديه، بينما يلجأ إلى القمع والعنف عند مواجهة منتقديه؟
من اقتحام الكونغرس إلى احتجاجات الهجرة.. تحول سياسي في ساحة الأزمات
ذكرت وكالة فرانس بريس مؤخرًا في تقرير عن احتجاجات الهجرة في لوس أنجلوس: “رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب امتنع عن نشر الحرس الوطني خلال أعمال الشغب التي أدت إلى اقتحام الكونغرس في 6 يناير 2021، بينما يُعد قراره بنشر قوات الحرس الوطني للسيطرة على احتجاجات لوس أنجلوس إجراءً متناقضًا تمامًا.”
وأضافت الوكالة الغربية أن “هذه هي المرة الأولى منذ عام 1965 التي يتم فيها نشر الحرس الوطني دون موافقة حاكم الولاية.”كتب: معظم المهاجرين الذين تم إطلاق سراحهم هم من أصول لاتينية، ويعتقد المعترضون أن هذه العمليات تهدد الديمقراطية الأمريكية.بمقارنة تفاصيل هذين الاعتراضين، تتجلى الحقيقة أكثر. ففي الرابع من يناير عام 2021، عندما اقتحمت مجموعة من أنصار ترامب مبنى الكابيتول مباشرةً، قام هو كرئيس في ذلك الوقت بتجاهل أوامر التهدئة الذاتية.ربما تُظهر التسريبات في جلسات الاستماع بالكونغرس أن أجهزة الأمن – بما فيها قادة الجيش والشرطة – كانت تنتظر إذنًا للتدخل، لكن ترامب لم يُظهر أي رد فعل مؤثر.
هذا الأمر أدى إلى مقتل عدة أشخاص وإلحاق الضرر بالمؤسسات الديمقراطية ودخول العنف إلى الساحة السياسية. بعد ذلك أصبح هذا الحدث أحد محاور استهداف ترامب الثاني حيث اتهمه بـ”التحريض على التمرد”، رغم أن مجلس الشيوخ لم يصدر حكمًا بإدانته.
في المقابل، قبل أيام قليلة وفي أوائل يونيو 2025، مع بدء الاحتجاجات الواسعة في لوس أنجلوس…ردًا على غارة عناصر من إدارة الهجرة والجمارك (ICE) على سكن المهاجرين واعتقال واسع النطاق للاتينيين، أصدر ترامب - الذي عاد مرة أخرى إلى السلطة – دون تردد ودون تنسيق مع حاكم كاليفورنيا، أوامر بتعزيز الوجود العسكري والقوات البحرية.
هذا الإجراء حدث لأول مرة منذ 50 عامًا (1945) دون موافقة الولاية، واعتبره الكثيرون “انتهاكًا صارخًا لاستقلال الولاية”. بينما كانت طبيعة هذه الاحتجاجات مدنية ودفاعًا عن حقوق الإنسان للمهاجرين، كان رد فعل الدولة مصحوبًا بعنف شديد وخطاب عدائي. ووصف ترامب المعترضين بأنهم “تهديد داخلي” وطالب بـ”تحرير لوس أنجلوس”!
من وجهة نظر المراقبين، تصريحات ترامب التي تقوم على فكرة أن “إذا لم تفرض القوة، فإن لوس أنجلوس ستحترق مرة أخرى”، تبدو أكثر كواقعية سياسية تهدف إلى تحويل الانتباه عن الفساد النظامي الواسع. حتى الآن لا توجد مؤشرات على أن الاحتجاجات الجماهيرية ستتحول إلى عنف أو تهديد حقيقي لتخريب الأجواء يشبه أعمال الشغب عام 1992.عشر احتجاجات شهدتها البلاد رداً على الهجمات ضد المهاجرين والمطالب المدنية.يُعتقد أن هذه الادعاءات جزء من تكتيك ترامب الدائم في التحريض وإثارة الفوضى، و”بناء عدو خيالي” لمواجهة الانتقادات لسياساته القاسية، كما حدث عام 2020 خلال الاحتجاجات المناهضة للعنصرية.
في الواقع، يُحاول من خلال التصعيد الكبير تعزيز مشروع توطين الجيش في المدن لتقوية صورة “الرئيس المنظومي”.
الفرق بين ردود فعل ترامب في هذين السيناريوهين (التخويف من المهاجرين والاحتجاجات الجارية) ليس زمنياً فحسب، بل هو سياسي وأيديولوجي. ففي 2021، وصف مؤيديه العنصريين بـ”المحاربين”، بينما اليوم يتم قمع المحتجين المهاجرين – الذين ينتمون غالباً لأقليات عرقية – بعنف من قبل قوات الأمن.
يرى النقاد أن هذا الاختلاف لا يعود إلى حدّة الاحتجاجات، بل إلى ارتباطها…الخلاف حول عدم استجابة المعترضين لمنصة ترامب السياسية. في الواقع، الرئيس الذي تصدى للهجوم على مقر التشريع في البلاد بصمت، أظهر رد فعل عسكرياً تجاه احتجاجات أنصار العدالة الطالبانية.
من الناحية القانونية أيضاً، هذا التصرف يثير تساؤلات كبيرة. الدستور الأمريكي يمنح الولايات صلاحيات في حالات الطوارئ أو بناءً على طلب رسمي منها، لكن ترامب اليوم بتفسيره الموسع لـ”قانون التمرد”، قام بتدخل عسكري، بينما في عام 2021 مع وجود اعتراض مباشر من أحد أعضاء الكونغرس الديمقراطيين، لم يستخدم هذه الآلية. هذا التناقض يثير أسئلة أساسية حول استقلالية القضاء وحفظ حقوق المواطنين واستخدام القوة العسكرية سياسياً داخل البلاد.ومع ذلك، ما يجمع هذين السيناريوهين هو الصراع الداخلي في أمريكا. لكن ما يميزها هو طريقة رد فعل الرئيس تجاه طبيعة الاحتجاجات. ترامب…أظهر عام 2021 أن ترامب كان غير مبالٍ أو حتى داعمًا للاحتجاجات التي تخدم مصالحه، بينما اليوم، عندما توجهت الاحتجاجات ضد سياساته، انتهج أسلوب القمع السريع والوحشي. هذه السياسة “المزدوجة” لا تضعف فقط ثقة الجمهور، بل وتشكك أيضًا في شرعية ادعاء ترامب بشأن الحفاظ على القانون والنظام.
سياسة ترامب القمعية: تكلفة مالية باهظة وتكلفة سياسية أعلى
إرسال قوات الحرس الوطني ومشاة البحرية بشكل واسع إلى لوس أنجلوس وغيرها من المدن المضطربة كبد الحكومة الفيدرالية تكاليف مالية كبيرة. وفقًا لتقديرات أولية من مصادر إعلامية في البنتاغون، فإن الوجود العسكري المكثف بمعدات مكافحة الشغب، وتحليق الطائرات المروحية، والإقامة والتجهيزات الميدانية تتكلف الحكومة الفيدرالية ما بين 20 إلى 30 مليون دولار يوميًا.
تصاعد الخلافات الداخلية في الحزب الجمهوري بعد مواجهة عنيفة مع متظاهرين مهاجرين
في سياق سياسي متشدد، أدت المواجهة العنيفة بين الحكومة والمعارضين المهاجرين إلى ردود فعل سلبية ليس فقط بين الديمقراطيين، بل أيضًا داخل الحزب الجمهوري نفسه. وجهت شخصيات مثل السناتور “ليز تشيني” والممثل “توماس ماسي” تحذيرات بشأن الاستخدام غير المبرر لقانون التمرد، معتبرين هذه الإجراءات مخالفة للمبادئ الفيدرالية الأساسية وتفكيكًا لسلطات الولايات.
هذه الخلافات تكشف عن انقسام أيديولوجي وتعميق للشقاق الداخلي داخل الحزب الجمهوري، وهو انقسام قد يؤدي إلى إضعاف الجبهة الموحدة للحزب في مواجهة الانتخابات المقبلة.
وفي هذا السياق، تأثر الصورة الدولية للولايات المتحدة أيضًا بهذه السياسات، حيث انتقدت منظمات حقوق الإنسان مثل “هيومن رايتس ووتش” و”العفو الدولية” السلوك العنيف للحكومة ترامب تجاه المتظاهرين عبر بيانات صادرة عنها.
سيناريوهات متوقعة: من تعميق الانقسام الداخلي إلى عواقب استراتيجية
في ظل…
السيناريو الأول: تشديد الإجراءات الأمنية وتنفيذ رسمي لـ«قانون التمرد».في هذا المسار، تقوم الحكومة الفيدرالية دون الحاجة إلى موافقة القادة، بنشر القوات العسكرية في جميع أنحاء البلاد وباستخدام القوة، للسيطرة الكاملة على الشوارع. هذا السيناريو وإن كان قد يخمد الاحتجاجات في المدى القصير، إلا أنه على المدى البعيد يحمل مخاطر توسع عدم الاستقرار المدني، وزيادة الاضطرابات الاجتماعية، وتصاعد أعمال العنف الدموية.
السيناريو الثاني: الانتقام التكتيكي للحكومة عبر الضغوط السياسية والإعلامية والدولية. في هذه الحالة، يحاول البيت الأبيض من خلال تقليص الوجود العسكري وبدء مفاوضات مع ممثلي المعارضة، الحد من تصاعد موجة الاحتجاجات ضد سياسات ترامب.
تشير تقارير إلى أن شعبيّة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تشهد تراجعًا، إما بسبب الانتقادات الموجهة إلى تصريحاته في الولايات الحساسة، أو بسبب توسّع الاحتجاجات. ويوصي بعض مستشاري الجمهوريين بأن تعتمد الحكومة سياسات أكثر مرونة للسيطرة على الأجواء قبل الانتخابات.
السيناريو الثالث يتمثل في دخول الكونغرس أو المحكمة العليا للولايات المتحدة على خط البحرين. مع تصاعد موجة المعارضة من المستوى الولائي إلى الوطني، قد يدخل الكونغرس حيز التنفيذ بفرض قيود على الخيارات التنفيذية ضمن سياق الاحتجاجات. كذلك، إذا تقدّم مسؤولون ولايات مثل كاليفورنيا أو نيويورك بشكاوى قانونية ضد التدخل الفيدرالي، فمن المحتمل أن تتدخل المحكمة العليا لمراجعة دستورية استناد ترامب إلى “قانون التمرد”. في هذه الحالة، سينتقل البحرين من مستوى الشوارع إلى المستوى غير الرسمي للمؤسسات القضائية والقانونية.
في النهاية، إذا استمرت الاضطرابات، فإن احتمال تشكل حركة اجتماعية واسعة النطاق يبقى قائمًا.يُشبه هذا الوضع إلى حد كبير حركة الاحتجاجات المناهضة للحكومة في عام 2020. في هذه الحالة، قد تضطر إدارة ترامب ليس فقط إلى مواجهة استياء شعبي واسع النطاق، بل ربما تتعرض أيضًا لضغوط شديدة من وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني وحتى أعضاء حزبها نفسه لتغيير مسار المواجهة.
ومن ناحية أخرى، فإن طريقة إدارة هذا الصراع ستحدد الموقع السياسي ومصير مشروع إدارة ترامب في الأشهر المقبلة.