الملف الأسود لألمانيا ضد إيران من تسليح صدام إلى تبرئة عدوان نظام إسرائيل
وكالة مهر للأنباء – مجموعة بين الأمم: بينما العالم يحيّر من الاعتداءات الصهيونية على الأراضي الإيرانية في 24 خرداد 1403 (13 يونيو 2024)، والرأي العام الدولي في صدمة من استشهاد أكثر من 1100 مدني إيراني بينهم نساء وأطفال، اختار “فريدريش مرتس” مستشار ألمانيا بدلًا من إدانة هذه الاعتداءات أو حتى الصمت الدبلوماسي، وصفها بـ”خطوة مشروعة”.
وأعلن “مرتس” خلال اجتماع قادة مجموعة السبع بشكل صريح: “هذا هو نفس العمل الذي تقوم به إسرائيل لأمننا جميعًا”، وهي عبارة لا تعكس فقط انتهاكًا صارخًا لمبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، بل تنذر بخطر تطهير عرقي خطير.
أكد رئيس الوزراء الألماني أولاف شولتز مجدداً على شرعية العمليات ضد النظام الصهيوني، خلال كلمة أمام البرلمان الألماني، في رد فعل أثار انتقادات حتى من بعض وسائل الإعلام الأوروبية.
وأثار هذا الموقف، خاصة في ظل ظروف تشهد حتى بعض المنظمات الغربية مثل الصليب الأحمر ومنظمة العفو الدولية مطالبات بالتحقيق حول “علاقة ضحايا غير نظاميين بأهداف عسكرية” خلال هذه الحملة، تساؤلات مهمة حول الموقع الأخلاقي لألمانيا.
في هذا السياق، تشير الوقائع التاريخية والتواطؤ التاريخي لبرلين مع المعتدين على إيران إلى عدة نقاط مهمة.
1. التسلح الكيميائي ودعم ألمانيا لمجرم حرب
خلال الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات، حين كانت إيران تحت قصف…
أثناء مقاومة إيران ضد الغازات السامة والهجمات الكيميائية، قامت مئات الشركات الألمانية، بتنسيق ودعم ضمني من حكومة ألمانيا الغربية، بتزويد نظام البعث العراقي بالمعدات والتقنيات والمواد الخام اللازمة لصنع الأسلحة الكيميائية.
ووفقًا لتقرير رسمي صادر عن “المعهد الفيدرالي لحماية الدستور” في ألمانيا، شارك أكثر من 110 شركة ألمانية بشكل مباشر أو غير مباشر في برنامج الأسلحة الكيميية للعراق. لم تكن هذه المشاركة سرية، بل تمت في كثير من الحالات عبر صادرات رسمية مسجلة وبعلم الحكومة الألمانية.
ومن بين أشكال التعاون البارزة المشاركة في إنشاء مصنع سامراء بالعراق؛ وهو مجمع صُمم خصيصًا لإنتاج غازات قاتلة مثل التابون والسارين والخردل. أصبح هذا المصنع العمود الفقري لترسانة صدام الكيميائية، واستُخدم لاحقًا في هجمات كارثية مثل قصفاستخدمت إيران أسلحة كيميائية وعمليات ضد المدنيين في مناطق “فاو” و”مجنون”، مما أسفر عن سقوط آلاف الضحايا، بينهم نساء وأطفال إيرانيون وأكراد، كضحايا مباشرين لهذه الغازات التي تم تصنيعها بمواد أولية ألمانية.
في إطار مشروع ”مهرجان” تحت الاسم الرمزي “122”، قامت شركات ألمانية بإرسال أكثر من 1427 طناً من المواد الكيميائية الأولية إلى العراق. الوثائق المنشورة من قبل منظمة الأمم المتحدة ووكالات الاستخبارات في وسائل إعلام مثل صحيفة “واشنطن بوست” عام 1992، أظهرت أن 6 شركات ألمانية شاركت في توفير معدات بيولوجية لنمو وتركيز العوامل الميكروبية، بالإضافة إلى معدات قادرة على التحول إلى أسلحة دمار شامل.
مع الانتشار الواسع لهذا الدور المحوري في تجهيز ضربات بالأسلحة المحظورة، لم يتم تقديم مديري هذه الشركات للمحاكمة في ألمانيا فحسب، بل إن الدولة الألمانية نفسها لم تعترف رسمياً بهذه الجريمة التاريخية ضد الشعب الإيراني أو تقدم اعتذاراً عنها. هذا السلوك…السياسة الخارجية لألمانيا تعتبر محسوبة وتظهر كيف تُهيمن المصالح الاقتصادية والاستراتيجية على مبادئ حقوق الإنسان والأخلاق في هذا البلد.
2. صمت ألمانيا تجاه اغتيال العلماء الإيرانيين
من عام 2010 إلى 2019، شهدت إيران اغتيال خمسة من علمائها النوويين البارزين، منهم “مسعود علي محمدي” و”مجيد شهرياري”. رغم أن النظام الصهيوني كان المتهم الرئيسي في هذه العمليات، إلا أن النقطة الأكثر أهمية هي الصمت المتعمد للدول الغربية، بما فيها ألمانيا، التي لم تدن هذه الاغتيالات فحسب، بل إن بعض مسؤوليها وصفوها ضمنًا بأنها “ضرورية للأمن الدولي”.
في عام 2012، نقلت صحيفة “اشبيغل” الألمانية عن مصدر استخباراتي قوله: “اغتيال شهرياري أظهر أن هناك طرقًا لوقف تقدم إيران دون ضجيج”. هذه التصريحات المعادية لإيران في وسائل الإعلام الألمانية الرئيسية لم تترك مجالًا للشك.هذه الإجراءات العدائية، المعروفة بمشروع “جلوة”، تهدف في النهاية إلى تقويض الجهود السلمية التي تتعارض صراحة مع القانون الدولي.
3. الحرب السيبرانية: أول هجوم سيبراني حكومي باستخدام ”ستاكسنت”
في عام 2010، تم الكشف لأول مرة عن برنامج “ستاكسنت”، والذي صُمم خصيصًا لاستهداف أنظمة المراقبة والتحكم في المنشآت النووية. ذكرت مؤسسة العلوم والأمن الدولي (ISIS) في تقرير لها أنه بين نوفمبر 2009 ويونيو 2010، تعطل ما بين 900 إلى 1000 جهاز بسبب هذا الهجوم.
على الرغم من أن هذا الهجوم التخريبي لم ينفذ مباشرة من قبل ألمانيا، إلا أن دور الباحثين والشركات الألمانية مثل “زيمنس” في اكتشاف ونشر ثغرات نظام التحكم الصناعي (PCS 7) كان محل تساؤل. كما تعاون المركز الوطني للمختبرات التابع للولايات المتحدة مع “زيمنس” عام 2008 لتحديد نقاط الضعف في النظام.أعلنت مصادر أن تعاونًا غربيًا في مجال التكنولوجيا ساهم في تسهيل التهديدات السيبرانية ضد إيران، وذلك بعد استخدام ما يُعرف بـ”الستاكسنت”.
4. التجسس الصناعي وسرقة العلوم: تقييد نمو إيران
في السنوات الأخيرة، أصبحت إيران هدفًا لسياسات تقييد العلوم من الغرب عبر مسارات غير رسمية مثل مشاريع البحث المزيفة وأنشطة التجسس التقني. ووفقًا للتقارير، تعاونت ألمانيا مع مؤسسات بحثية دولية في مجالات الطاقة والتكنولوجيا الحيوية والفضاء لنقل المعرفة. كما لعبت دورًا في تحديد العلماء الإيرانيين.
نُفذت عشرات المشاريع المشتركة ضمن برامج قصيرة الأمد علميًا، كغطاء لجمع معلومات حول القدرات الداخلية لإيران في مجالات النانو والطب والهندسة المتقدمة.
في بعض الحالات، حتى بعد نشر أبحاث إيرانية في دوريات علمية أوروبية، قامت الحكومة الألمانية…منعت الاتحاد الأوروبي، بحجة العقوبات، دخول المعدات اللازمة لاستمرار الأبحاث. على سبيل المثال، في عام 2021، منعت وزارة الاقتصاد الألمانية تصدير مجهر إلكتروني (TEM) إلى جامعة شريف التكنولوجية)، بينما تم تسليم نفس الجهاز قبل سنوات قليلة بظروف مماثلة لمؤسسة أكاديمية في قطر. هذا التعامل المزدوج يظهر أن العلم والتكنولوجيا أصبحا أداة للضغط الجيوسياسي حتى بالنسبة لألمانيا.
- العقوبات الدوائية والموت الصامت: مشاركة ألمانيا في الحرب الاقتصادية
في حين تدعي الاتحاد الأوروبي دوماً التزامها بمبادئ حقوق الإنسان والاعتبارات الإنسانية، فإن أداء الدول الأعضاء فيها – خاصة ألمانيا – خلال فترة العقوبات الأحادية الجانب بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي (برجام)، كان واضحاً في تناقضه مع هذه الادعاءات. خلال تلك الفترة، ورغم الإعلان رسمياً عن استثناء المواد الدوائية من قائمة العقوبات، إلا أن الواقع أثبت أن البنوك الأوروبية - وعلى رأسها البنوك الألمانية – تحت ضغ…امتنعت المؤسسات المالية العالمية تحت تهديدات الخزانة الأمريكية عن إجراء أي معاملات مالية متعلقة بالأدوية والمعدات الطبية والمواد الأولية الدوائية مع إيران.وقد حولت سياسة “العقوبات المالية الخفية” هذه دون وصول المرضى الإيرانيين إلى الأدوية الحيوية، لتصبح أداة صامتة للضغط على المدنيين وسط صمت رسمي من برلين.
وتجلت نتائج هذه الإجراءات بوضوح خلال أزمات مثل جائحة كورونا، وفي مجال المرضى ذوي الحالات الخاصة. وفقاً لإحصاءات رسمية من وزارة الصحة الإيرانية، واجه أكثر من 25 ألف مريض بحالات خاصة نقصاً أو انعداماً في الأدوية عام 2019 (1398 هجري شمسي)، ما عرض حياة الكثيرين منهم للخطر. كما تأخر توفير اللقاحات المطلوبة للأطفال المصابين بأمراض نادرة، وكانت تلك التأخيرات قاتلة في بعض الأحيان.
هذه الكوارث الإنسانية لم تنتج عن عقوبات مباشرة، بل عن التواطؤ السلبي والمحافظ للحكومة الألمانية مع هيكل الضغط الأمريكي. في هذا الملف، ربما لم تطلق ألمانيا رصاصة واحدة لكن…باستناد إلى مسارات مالية وتفاوتات متعلقة بعوائدها، لعبت دورًا أكثر تأثيرًا من العديد من المناطق الحربية الأخرى. لم يكن الضحايا قوات نظامية، بل أطفالًا ومرضى وكبار سن.
6. العقوبات التكنولوجية والمصرفية: عوائق أمام تقدم إيران
في أعقاب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات، كان يُتوقع أن يقود الاتحاد الأوروبي وألمانيا بشكل خاص كأحد الأطراف الرئيسية في الاتفاق، دورًا فاعلًا في الحفاظ على مسار التعاون الاقتصادي والفني مع إيران. لكن عمليًا، لم تستطع ألمانيا مقاومة ضغوط الولايات المتحدة فحسب، بل فرضت قيودًا مستقلة حالت دون استمرار أنشطة الشركات التكنولوجية والمصارف الألمانية في التعاون مع الكيانات الإيرانية.
نتيجة لذلك، تعثرت الاتفاقيات المتعلقة بنقل المعرفة الفنية وتوريد القطع الإلكترونية الحساسة وبرامج الصناعة وحتى التقنيات المرتبطة بمجال الصحة والتجهيزات الطبية.توقف الدعم الطبي. هذه الإجراءات، التي جاءت ردا على مزاعم ألمانيا بالتزامها بمبادئ حقوق الإنسان وسجلها الصديق للإنسان، أثرت بشكل مباشر على معيشة الشعب الإيراني.
في هذا السياق، فشلت سياسات الضغط التي انتهجتها ألمانيا والمصارف الألمانية ليس فقط في إضعاف البنى التحتية الحيوية لإيران، بل أدت إلى تعزيز السجل الذاتي للبلاد في المجالات الحساسة. ردّت الصناعات الإيرانية على هذه الضغوط بالتركيز على القدرات الداخلية والكوادر العلمية، ساعيةً لتقليل الاعتماد على الواردات وتسريع مسار بناء البدائل الفنية المستدامة.
7. النظام الدولي وصمت ألمانيا: عوائق في طريق تحقيق حقوق إيران
في السنوات الأخيرة، كانت ألمانيا أحد اللاعبين المؤثرين في هيكل النظام الدولي، لكن تصرفات هذا البلد تجاه إيران كشفت عن تناقض جوهري بين ادعاءاته الحقوقية وسياساته الفعلية.
على الساحة العالمية، لم يقتصر الأمر على أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة شهد تقاعس ألمانيا…لم تكتفِ إيران بالتصرفات المتجاوزة، بل رافقتها إما بصمت متعمّد أو بتواطؤ هادف، ممهدةً الطريق لتمرير القرارات المغرضة أو ممارسة الضغوط السياسية والاقتصادية.هذا التواطؤ سواء عبر التجاوز أو الصمت، في اللحظات التي تواجه فيها إيران الإرهاب المدعوم من دول أو أعمال تخريبية من قبل بعض الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أو انتقادات صريحة من دول أخرى، تحوّل عملياً إلى نوع من “ضوء أخضر” لاستمرار السياسات الأحادية الجانب.
صورة: طائرة مسيرة إيرانية تحمل معدّات صدام حتى تطهير تجاوزات نظام الاحتلال الإسرائيلي
من جانب آخر، امتنعت ألمانيا وحلفاؤها الأوروبيون مراراً عن دعم المطالب الحقوقية لإيران في محكمة العدل الدولية أو غيرها من الآليات القانونية.بينما تسعى إيران جاهدةً عبر السبل القانونية لمواجهة تجاوزات النظام الصهيوني أو الخروقات غير القانونية للولايات المتحدة، مستنكرةً التحركات العدائية.المجموعات المدعية للدفاع عن “النظام الدولي” من ضمنها ألمانيا، إما أنها صامتة أو حتى بشكل غير مباشر تقف إلى جانب المعارضين لقواعد القانون الدولي. هذا الادعاء الواضح في سجل برلين، دليل على أن ما يسمى بـ”النظام الدولي” المزعوم من قبل الغرب، لا يقوم على العدالة بل على أساس المصالح السياسية.