فرنسا تتجنب اتخاذ موقف ضد إسرائيل وتؤكد دعمها لاحتلال تل أبيب
وكالة مهر للأنباء – القسم الدولي: يعتقد الدكتور “هادي دولت آبادي”، أستاذ الدراسات الفرنسية في جامعة طهران، أن سياسة فرنسا تجاه إيران يجب أن تُفهم من منظور النهج النقدي الدائم الذي تتبناه باريس تجاه طهران. ويؤكد أيضاً أنه في الثنائية بين التقارب مع إيران أو الحلفاء الغربيين، فإن خيار فرنسا يكون دائماً وبلا تردد لصالح الحلفاء الغربيين.لكن الجدير بالذكر هو اختلاف نهج فرنسا فيما يتعلق بحرب غزة.
فيما يلي التفاصيل الكاملة لمقابلة وكالة مهر للأنباء مع الدكتور “هادي دولت آبادي”، أستاذ الدراسات الفرنسية في جامعة طهران.
الموقف الرسمي للحكومة الفرنسية من حرب الـ12 يوماً الأخيرة بين إيران وإسرائيل
ما كان موقف فرنسا الرسمي، وهل اختلف هذا الموقف عن سابقه؟
فيما يتعلق بالموقف الرسمي للحكومة الفرنسية، يمكن القول إنه نظرًا للنظرة النقدية التي تتبناها فرنسا عادة تجاه إيران، فإنها عمليًا تظهر هذا النهج النقدي تجاه إيران في جميع الملفات التي تكون فيها إيران طرفًا. بشكل عام، يجب الإشارة إلى أنه بعد الحرب العالمية الثانية، تبنت فرنسا في عهد الجمهورية الرابعة نهجًا داعمًا لإسرائيل.
يمكن تقسيم موقف فرنسا من الحرب التي استمرت 12 يومًا إلى مرحلتين: المرحلة الأولى استهدفت القادة العسكريين والعاملين في المجالات العسكرية والنووية، بينما ركزت المرحلة الثانية على استهداف المدنيين وبشكل خاص سجن “أوين” الذي كان يحتجز فيه فرنسيان بتهمة التجسس وقت الهجوم. الحقيقة أن فرنسا – وهي من أبرز المنتقدين للبرنامج النووي والصاروخي الإيراني – تجنبت اتخاذ موقف مباشر ضد إسرائيل واكتفت بدعوة إيران إلى ضبط النفس مع بذل جهود لإحياء الدبلوماسية.
أنت خبير في تحليل الخطاب؛ كيف تشكّل الخطاب السائد في الإعلام الفرنسي خلال هذه الحرب؟ هل كان متوافقًا إلى حد كبير مع المواقف الغربية أم أكثر تنوعًا؟
غطّى طيف واسع من وسائل الإعلام المرئية الفرنسية هذه الأحداث، ودعت خبراء في الشأن الإيراني سواءً فرنسيون أو إيرانيون مقيمون في البلاد لإبداء آرائهم. وفي الغالب، لاحظنا إدانات من قبل الإيرانيين المقيمين لهجمات إسرائيل. كما دُعي سفراء إيران وإسرائيل في فرنسا بشكل منفصل وانعكست آراؤهم. بالتالي، شهدنا تنوعًا في منهج وسائل الإعلام الفرنسية التي تناولت أيضًا تحليل القدرات النووية والصاروخية الإيرانية.
من وجهة نظرك، ما تأثير هذه الحرب على علاقات الاتحاد الأوروبي وإيران، وخاصة فرنسا؟
هذه الحرب بحد ذاتها لن يكون لها تأثير ملحوظ على علاقات إيران وأوروبا فيما يتعلق بالعقوبات، لكن طريقة رد فعل إيران سواءً عبر التعاون أو عدم التعاون مع الوكالة…
القضايا الدولية ومنح المفتشين التابعين للوكالة إمكانية الوصول لتقييم حجم الأضرار، وكذلك مسألة خروج إيران أو بقائها في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، يمكن أن تؤثر بشكل كبير على العلاقات بين إيران والاتحاد الأوروبي. لكن الولايات المتحدة، من خلال مهاجمتها للمنشآت النووية الإيرانية، أظهرت أنها لا ترى دورًا لأوروبا في المفاوضات النووية. الأمر الذي يعزز دور أوروبا في هذا الصدد هو قدرة الدول الأوروبية التي لا تزال أعضاء في الاتفاق النووي على تفعيل آلية “المُحفّز”.تصريحات صريحة مثل تصريحات جان نويل بارو حول “التهديد المباشر الذي تشكله إيران على السلام الإقليمي”، إلى أي درجة تعكس السياسة العامة لحكومة ماكرون؟
هذا الموقف والنظرة القائمة على اعتبار إيران تهديدًا للمنطقة موجودان منذ مطلع عام 2010 في الخطة الاستراتيجية والدفاعية الفرنسية، وهي من الوثائق العليا لفرنسا. فقد حافظت فرنسا دائمًا على نظرة نقدية تجاه إيران، وبالتالي فإن هذه السياسة ليست حكرًا على حكومة ماكرون.
هل تعرف المشهد السياسي الفرنسي جيدًا؟ خلال هذه الأزمة، ما الفروق في التحليل أو الموقف من هذه الحرب بين أحزاب اليمين (مثل الجمهوريين والتجمع الوطني) واليسار (مثل حزب “لا يستسلم” والاشتراكيين)؟
بالطبع الفرق واضح تمامًا، والثنائية بين اليمين واليسار في فرنسا ظاهرة ليس فقط في السياسة الداخلية بل أيضًا في السياسة الخارجية.لكن تجدر الإشارة إلى أنه حتى داخل صفوف اليسار، هناك مواقف متضاربة بين الاشتراكيين وأنصار ”لا يستسلم” فيما يتعلق بمواقفهم تجاه إسرائيل، إذ كان للاشتراكيين تاريخيًا علاقات جيدة مع إسرائيل. من ناحية أخرى، نلاحظ تحولًا ملحوظًا في أقصى اليمين الفرنسي أيضًا، حيث أن هذا التيار الذي اشتهر بمواقفه المعادية لليهود في فرنسا قام بانعطاف كامل حتى أن زعيم الحزب سافر إلى إسرائيل.
في الفترة الأخيرة، عبّرت بعض الجهات عن مواقف داعمة لإسرائيل، في حين تمسك المنتقدون للهجمات الإسرائيلية على غزة بنفس المواقف تجاه إيران، مما يكشف بوضوح ازدواجية المواقف لدى الأحزاب الفرنسية في هذا الشأن.
كيف يمكن تحليل المواقف الأخيرة لإيمانويل ماكرون، بما في ذلك اتصاله بنتينياهو وتأكيده على “ضرورة ضبط النفس الإيراني”، في إطار السياسة الخارجية المستقلة لفرنسا؟ هل لا يزال هذا الاستقلال قائماً أم أن فرنسا تتجه نحو المواءمة مع حلف الناتو والولايات المتحدة؟
يجب فهم سياسة فرنسا تجاه إيران من منظور النهج النقدي الدائم الذي تتبناه باريس تجاه طهران. ومن ناحية أخرى، إذا نظرنا إلى الصورة الكلية، سنلاحظ تناقضًا في النهج يعكس طبيعة النظامين: نظام “جمهورية إسلامية” في إيران مقابل نظام “جمهورية علمانية” في فرنسا. فقد ظلت فرنسا منذ الثورة الإسلامية منتقدة للبعد الديني في الحكم الإيراني، كما أنها تُفسر أي توجه إقليمي لإيران من خلال عدوى النفوذ الإقليمي والسعي لنشر الأيديولوجية…
ترى فرنسا أن البرنامج النووي والصاروخي الإيراني لا يهدف سوى إلى مواجهة الغرب أو حلفائه. ومن بين هؤلاء الحلفاء، يبرز نظام الكيان الصهيوني والدول العربية في المنطقة.
لذلك، في المعادلة بين التقارب مع إيران أو الحلفاء الغربيين، يكون اختيار فرنسا واضحًا وغير مشروط لصالح الحلفاء الغربيين. لكن هناك نقطة مهمة تتعلق باختلاف نهج فرنسا تجاه الحرب في غزة: حيث أن هذا الصراع يعود إلى السياسة العربية لفرنسا، فقد حافظت باريس على موقف نقدي من الكيان الصهيوني. وبالتالي، يمكن الحديث عن استقلالية السياسة الخارجية الفرنسية تجاه فلسطين مقابل نهجها الغربي بالكامل تجاه إيران.