الهجوم على قطر نموذج هيمنة إسرائيل وخطأ استراتيجي للدول العربية
وكالة مهر للأنباء، قسم الشؤون الدولية، محمدرضا مرادي، المدير العام للشؤون الدولية والأخبار الخارجية في وكالة مهر كتب في مقال: اعتمدت إسرائيل بين عامي 2023 و2025 استراتيجية منهجية لإعادة بناء النظام الإقليمي في الشرق الأوسط. تقوم هذه المقاربة على إعادة تعريف العلاقات الإقليمية بهدف إقامة الهيمنة الإسرائيلية من خلال عمليات عسكرية مستهدفة وضغوط دبلوماسية. سبق وأن نُشرت مقالة بعنوان «تحول المفاهيم الإسرائيلية؛ الانتقال من نموذج “جز العشب” إلى استراتيجية “النصر الكامل”» تناولت هذا التغيير الاستراتيجي. بدأت هذه السياسة بهجوم على غزة في أكتوبر 2023 وسرعان ما امتدت إلى عمليات ضد حزب الله، سوريا، إيران والآن قطر.يحاول نتنياهو بدعم من ترامب إيصال رسالة مفادها: «إسرائيل لا تعترف بحدود ولا قوة تستطيع إيقافها.»
ربما عندما هاجمت إسرائيل إيران في يونيو الماضي لم تكن بعض الدول العربية غاضبة فحسب، بل كانت سعيدة أيضاً لأن خصماً كبيراً يتعرض لهجوم إسرائيلي. لكن تلك كانت بداية أخطاء استراتيجية بالمنطقة. القصة التي بدأت في أكتوبر 2023 لم تقترب بعد من نهايتها.
كانت حرب غزة هي نقطة الانطلاق. وفق تقارير الأمم المتحدة استشهد أكثر من 62 ألف فلسطيني في غزة جراء أعمال إسرائيل وتستمر الآن أكبر جريمة هناك بالوقوع. وصف نتنياهو حرب غزة بأنها فرصة لإعادة تنظيم الشرق الأوسط حيث يجب أن تكون إسرائيل هي المسيطرة والهيمنة الفعلية عليه. بعد غزة صار حزب الله اللبناني الهدف التالي؛ إذ قام الإسرائيليون باغتيال حسن نصرالله وعدد كبير من قادة حزب الله وشنوا مرات عديدة هجمات على جنوب ووسط لبنان أيضًا، معلناً بعد العمليات المتكررة باللبناني: «الأعداء لم يعدوا يتنفسون». ساهم هذا الانتصار بسقوط الأسد ديسمبر 2024 وأنقذ إسرائيل شمالياً من تهديد استراتيجي خطير، بينما بلغ ذروة الاستراتيجية الجديدة لإسرائيل الحرب مع إيران حين شنّت هجوماً يونيو 2025 شمل نطنز وفردو واغتالت قادة بالحرس الثوري ليبدأ فصل جديد بتحولات إستراتيجية إقليمية.
وفيما كان القادة العرب يراقبون بتفرج حذر ساعين لحماية أنفسهم عن «آلام الولادة لهذا النظام الجديد الذي يقصده نتنياهو»، وقع الخطأ القاتل للعالم العربي عنده تمامًا؛ إذ تُعد الهجمة على قطر بمثابة جرس إنذار للدول العربية كلها لأنها أول هجـمـة يعـتبر أنها طالت إمارات الخليج الفارسي وأكدت أن حتى حلفاء أمريكا غير محميين بالكامل؛ فقبل يومين فقط حذر ترامب حركة حماس بضرورة قبول وقف إطلاق نار لكنها تغير الوضع السياسي وتحولت الطاولة الدبلوماسية إلى فخ عبر الهجوم الإسرائيلي عليها.
يكشف هذا الهجوم تغييراً جذرياً في العقيدة العسكرية للإسرائيليين أي تجاوز الحدود الجغرافية التقليدية تجاهل الالتزامات الدبلوماسية الراسخة بالدول الأخرى؛ تظن الدول العربية ألا تزال اتفاقيات إبراهيم (2020) توفر لها الحماية ولكن ذلك مجرد وهم واضح لأن إسرائيل تتعامل مع الجميع ضمن إطار تشكيل نظام جديد بدون استثناءات.
على الإمارات والسعودية والكويت والبحرين وغيرها الابتعاد عن هذا الخطأ الاستراتيجي الذي تُعَد فيه اتفاقيات إبراهيم هشةٌ للغاية حتى وإن احتضنت أكبر قاعدة عسكرية أمريكية بالمنطقة فلن تكون آمنة وهذا هو الرسالة التي بعثتها تل أبيب لهجومها على الدوحة وللمنطقة بأسرها.
ومن هنا تبرز الحاجة الماسة لتحالف عربي-إيراني لوقف «النظام الجديد» وإلا فقد تسلك تل أبيب مسار إعادة تشكيل جغرافي لدول المنطقة محدثة دوامة جديدةٍ مضطربة تصعب السيطرة عليها داخل الخليج الفارسي والشرق الأوسط برُمّته.