٧ أكتوبر زلزال يهدم جدران الصمت
وكالة مهر للأنباء، قسم العالم: في دراسة مهمة بعنوان «الطرق لمواجهة التحيز وزيادة الثقة في تحليل بيانات وسائل التواصل الاجتماعي لإدارة الأزمات» نُشرت عام 2024 من قبل جامعة هال البريطانية، تم تحديد ثلاثة تحيزات خطيرة تبيّن كيف يمكن أن تشوّه هذه التحريفات واقع الكوارث أمام أعين العالم وتخفيه. تُوضح الدراسة أنه حتى أكثر البيانات قيمةً إذا مرت عبر هذه التحريفات الثلاثة ستعطي صورة مشوهة وغير عادلة:
1. التحيز الجغرافي: هذا التحيز يجعل المآسي التي لا تقع ضمن اهتمام وسائل الإعلام الغربية -مثل تلك في الشرق الأوسط أو آسيا أو أفريقيا- غير مرئية تمامًا وكأن تلك الأزمات لم تحدث قط.
2. التحيز اللغوي: هذا التحيز يتجاهل الأصوات والصيحات التي تُنطق بلغات غير غربية. فإذا لم يوصف الحدث باللغة الإنجليزية، يُعدّ الأمر كما لو أنه غير موجود على الإنترنت ووسائل الإعلام الدولية.
3. التحيز العرضي: هذا التحريف يؤدي في النهاية إلى تقديم عرض ناقص للحقيقة.فالتزييفان السابقان يبنيان سردًا منحازًا يعرض جزءاً فقط من الحقيقة ويترك الجزء الأكبر في ظلال النسيان.
غزة؛ ضحية الثلاثية الإعلامية للتحيز
على مدى عقود، كانت مأساة غزة مثالاً واضحاً لضحية هذه التحريفات الثلاثة. موقعها الجغرافي في الشرق الأوسط ولغة سكانها العربية جعلا سرد معاناتهم والاحتلال الذي يتعرضون له إما مهملًا بالكامل أو معروضًا بأشكال مشوهة وهامشية للغاية. ونتيجة لذلك، تحولت القضية الفلسطينية إلى ما يشبه «تحيز العرض» حيث أصبح الألم اليومي لشعبها أمرًا معتاداً لدى المجتمع الدولي ولم يعد يحمل وقع الأزمة الحقيقية فيها. هذا المناخ الإعلامي دعم النظام الصهیوني ليسير بهدوء وبمساندة مطلقة من الغرب نحو مشروعه الاستيطاني حتى أن بعض الدول العربية بدأت تتجه نحو تطبيع العلاقات معه.
7 أكتوبر؛ ردّ ألهب خريطة السرد الإعلامي العالمي
لكن عملية «طوفان الأقصى» يوم 7 أكتوبر كانت كالزلزال الجيوسياسي الذي زعزع أُسس هذه المعادلات الإعلامية الراسخة. فقد اخترق هذا الحدث جدران التحيز الجغرافي واللغوي وأجبر العالم على رؤية ما ظل لعقود مخفياً عن نظرته.لم تعد بعد الآن جرائم النظام الصهیوني مخفية وراء سواتر المعلومات المغلوطة.
الموجة العارمة للاحتجاجات التي جابت جامعات العالم كافةً من الولايات المتحدة إلى أوروبا أظهرت أن الجيل الجديد رفض الروايات النمطية للإعلام وواجه تحيز العرض بجرأة.
جلساء الأمم المتحدة الذين قابلوا خطاب نتنياهو بكراسي فارغة شكلوا رمزية قوية لانحدار شرعية هذا النظام حتى داخل المؤسسات الدولية المزعومة حياديتها.
الدول الداعمة للقضية الفلسطينية مثل اليمن التي عاشت سابقا نزاعا داخليا احتلت مكانتها بقوة عبر إجراءات غير مسبوقة كاحتجاز السفن واستهداف مواقع للنظام الصہیوني مما جعلها لاعباً فعّالاً ومؤثرًا ضمن الميزان المتغير للأحداث.
رغم الهجمات العشوائية والمستمرة للنظام الصهیوني بعد 7 أكتوبر والتي أدت لاستشهاد عشرات الآلاف من المدنيين بينهم آلاف النساء والأطفال وعدد آخرٍ من قادة المقاومة إلا أنها أسفرت أيضًا عن إنجاز استراتيجي لا يمكن إنكاره وهو كسر الاحتكار على روايات الأخبار ووضع الظلم التاريخي تحت مجهر الانتباه العالمي المباشر؛ أكدت أحداث 7 أكتوبر أن أقوى آلات الدعاية لا تستطيع إخفاء الحقيقة خلف حائط التصنيفات إلى الأبد.
المؤلف؛ محمد رضا حاجی جباری