قناة وكالة ويبنقاه على تلغرام

تحليل سلوك إسرائيل بعد اتفاق شرم الشيخ الهزلية في السلام الأمريكي بغزة

ما يحدث اليوم في غزة ليس نتيجة رفض المقاومة،‍ بل هو ثمرة سياسة تهدف‌ إلى استمرار حالة التوتر بين الحرب والسلام؛ حالة يستغلها الاحتلال للحفاظ على تفوقه التكتيكي.

وكالة مهر للأنباء، فريق الشؤون الدولية: شنّ الكيان الصهیوني هجمات على‌ قطاع غزة بذريعة مقتل أحد جنوده في رفح، ‌كاشفاً ‌مرة أخرى عن الوجه الحقيقي لهذا⁤ النظام وداعميه الغربيين. ليست هذه ​المرة⁣ الأولى ​التي ينتهك ⁤فيها الكيان الصهيوني اتفاق وقف إطلاق النار، لكنها بلا شك من أخطر الأحداث خلال الأشهر الأخيرة. الهجوم لم يكن مجرد انتهاك واضح لاتفاق شرم الشيخ فحسب، بل يُعد رمزاً لفشل كامل ‌لمفهوم «السلام الأمريكي»‍ في غرب آسيا؛ سلام قائم أكثر على مصالح واشنطن وتل أبيب بدلاً من الأسس السياسية والإنسانية​ الواقعية.

في الأيام التي سبقت هذا الهجوم، شنت قوات ​الاحتلال هجمات متفرقة على مناطق مختلفة من قطاع غزة بحجة عدم تسليم ‍حركة حماس‌ جثامين أسرى إسرائيليين. وهو ما ‌أكد عليه خبراء عسكريون ومراقبون دوليون صعوبة أو استحالة العثور على‌ الجثامين ‍وسط ملايين الأطنان من الركام​ المنتشر ⁢في ⁢القطاع ⁢وغياب المعدات المتخصصة‍ للبحث عنها.⁣ رغم ⁢ذلك، استغل تل ⁤أبيب هذا الأمر ذريعة لتجديد اعتداءاته، ‍ذريعة تكتنفها شبهات الخداع والمناورات السياسية ‌منذ البداية.

سلام نابع من سياسات الحرب

تحليل الأحداث الأخيرة‍ يبرهن‍ مجدداً أن مبادرات السلام ⁤المبنية على⁤ وساطة أمريكية لا تهدف إلى إنهاء النزاع فعلياً بل لإعادة إنتاج توازن هش ومؤقت فقط.⁢ التاريخ يشير بوضوح إلى أن واشنطن خصوصاً خلال ولاية دونالد ترامب لم تتخذ⁢ السلام هدفاً إنسانياً دائماً بل استخدمته كأداة سياسية واستراتيجية لتعزيز نفوذها ودعم الكيان⁤ الصهيوني.

خطة «السلام بـ 20 نقطة» التي⁤ أطلقها ترامب لغزة تدخل ضمن هذا ‌الإطار أيضاً. فقد ‍قُدمت ظاهرياً كدعوة لإنهاء حرب استمرت عامين لكنها كانت محاولة‍ لفرض شروط تل أبيب وتجريد المقاومة⁣ الفلسطينية من⁣ سلاحها.وعندما⁣ أدركت حركة حماس خداع هذه المبادرة الأمريكية رفضتها ⁢تماماً ​وهذا ‍الرفض ⁣ثبت​ صحته لاحقًا بعد الهجمات الأخيرة للكيان التي جاءت بموافقة ضمنية من​ واشنطن وتهديدات سخيفة أطلقها ترامب ضد حماس بعدها تثبت أن الولايات المتحدة‌ ليست ضامنة للسلام وإنما شريك مباشر بانتهاكه.

سجل أسود ​لتنظيم الكيان الصهيوني في نقض التزاماته

انتهاكات وقف إطلاق⁢ النار ليست جديدة لدى ​الكيان وإنما هي تقليد قديم مضى عليه الزمن منذ ‌قيامه وحتى اليوم بدون ⁣أي اتفاقٍ ظل ثابتًا أمام قوة إرادته البديلة للنقض المستمر. فمن اتفاقات أوسلو في تسعينيات القرن الماضي إلى اتصالات التهدئة⁣ المتكررة مع غزة ومن تفاهمات الحدود​ مع لبنان إلى اتفاق شرم الشيخ يعتبر توقيع الاحتلال علامة لانطلاق خرق تلك الاتفاقيات عمليًا. تجربة لبنان دليل صارخ لهذا الانعدام بالالتزام.

بحسب التقارير الدولية فإن تل أبيب انتهكت اتفاق وقف النار مع بيروت أكثر من أربعة آلاف مرة حتى الآن، والآن تتكرر ذات النمطية نفسها في قطاع غزة حيث يعتمد الاحتلال⁢ سياسة ما يسمى بـ«الحرب شبه النشطة» ليخلق وضعية غير مستقرة بين الحرب ووقف إطلاق النار؛ وضع ⁣يقلل ‍الضغوط العالمية عليه ويحتفظ بقوته العسكرية ⁣استعدادا لأي هجوم مستقبلي دون إعلان‍ رسمي بخرق الهدنة.
لكن هذه الاستراتيجية لا تعكس قوةبل تجسد عجز نظام يعاني عزلة متزايدة عالمياً بعد حرب دامت⁤ عامين دون نتائج تُذكر. استمرار هذا النهج‍ لا يزيد‌ فقط الطعن بمشروعية ‌النظام الصهيوني سياسيًا ولكنه يضعف مفهوم السلام والوساطة الدولية بشكل كامل.

ذرائع الجثامين.. تكتيك لاستمرار الحرب

في الأسابيع الماضية تحولت قضية‍ تأخير تسليم جثامين الأسرى الإسرائيليين محور الدعاية الرئيسية للاحتلال الذي بدل استقبال خطوة تحرير 20 أسيراً فلسطينياً سلمتهم المقاومة وفق المرحلة الأولى من الاتفاق للمفاوضين ‍إلى‍ ذريعة لاستئناف⁢ العمليات العسكرية.
ويقول محللون فلسطينيون مثل هاني الدالي إن⁤ الاحتلال نفسه وضع عقبات ميدانية تحول دون العثور على الجثامين بعضها تقع في مناطق كان يفترض أن تنسحب منها القوات الإسرائيلية وفق الاتفاق وحظر دخول الفلسطينيين إليها وأجزاء أخرى موجودة تحت الأنفاق المدمرّة والتي يصعب الوصول إليها بدون معدات‍ خاصة.
من⁣ جهته يرى العقيد‍ حسن ⁣جوني المحلل العسكري⁢ أن تل‍ أبيب‍ تستغل القضية ⁤لتفرض⁣ واقعًا ميدانيًا جديدًا يسمح لها باستئناف ⁤الاعتداءات ⁤بضيق أو اتساع حسب رغبتها دون إعلان رسمي‍ بخرق وقف إطلاق ‌النار ‌وهي السياسة⁢ ذاتها التي مُورست سابقا عند ⁣الحدود اللبنانية ⁣الجنوبية ‍ويتم تطبيق نموذج مشابه⁢ لها الآن‌ بغزة.

أمريكا..ضامن سلام أم شريك‌ اعتداء؟

‍يتوضح دور‌ أمريكا خصوصا بعد تصريحات ترامب أكثر فأكثر فواشنطن تدعي الوساطة وضمان‍ الهدنة إلا أنها عمليًّامنحت الاحتلال حرية التصرف الكامل بغزة⁣ ولبنان.
يرى محللون‍ أنّ​ أمريكا لا‍ تمنع الاعتداءات⁣ الإسرائيلية فحسب ، بل تدعم ​استمرار ⁣الحرب بالمساعدات السياسية والاستخبارية والعسكرية‌ . وهذا الموقف‍ مطابق تمامًا لإستراتيجية سياسة خارجيّة أمريكيّة مُتكرّرة اثبت تاريخ علاقاتها مع الشرق الأوسط‍ أنّ كل وساطاتها ⁣ما كانت إلا‍ تمهيدات لازدياد عدم الاستقرار واستمرار الاحتلال .
فكل المبادرات‍ بدايةً مِن كامب ديفيد وصولا لأوسلو وخطة السلام العربية​ وحتى صفقة القرن تجمع جميعا حول محور واحد وهو⁤ تعزيز تفوق النظام الصهيوني وإلغاء الحقوق المشروعة⁢ للشعب الفلسطيني‌ .

النتيجة

تظهر التطورات الأخيرة بغزة وتصرّفات‌ النظام الصهيوني عقب اتفاق شرم الشيخ مجددًاإن السلام الناتج عن احتلال وتمييز ليس ⁣سلاماً حقيقياً .
تحاول واشنطن وتل أبيب استخدام مصطلح «السلام» لتغطية مشروع عسكري وسياسي هدفه إضعاف المقاومة ⁢وترسيخ منظومة ⁣الاحتلال بينما تعمل ⁢وسائل ‌الإعلام الغربية والمؤسسات المختلفة ‍عبر ⁤سرديات مركبة تهدف لتحويل ⁣اعتداءات الكيان لما يسمى «دفاع مشروع». لكن الواقع العربي والتاريخي يكشف ⁣تناقض هذه الروايات حيث أثبتت المقاومة الفلسطينية تمسكها بالتزامات ‍إنسانية وسياسية طيلة السنوات⁢ الماضية شرط التزام الطرف الآخر بوعوده.
ما‍ يحدث اليوم بغزة ليس عصيان مقاوم ولكن خطة واعِدة لاستمرار ‍حالة غموض بين الحرب والسلام يستفيد منها النظام للحفاظ‌ على‌ تفوقه التكتيكي.
في النهاية يمكن القول إن السلام الأمريكي ليس سلام ولا حتى هدنة⁣ حقيقة؛ هو مسرح سياسي تعاقب عليه أسماء متعددة لكن جوهر محتواه‍ يبقى ثابتاً بلا تغيير وفي ظل⁢ استمرار احتلال وحصار وتمييز ​لن تثمر أي اتفاق مهما‍ مكان توقيعه سواء كان بشرم الشيخ أو البيت الأبيض عن استقرار حقيقي.

مصادر الخبر: © وكالة ويبانقاه للأنباء, وكالة مهر للأنباء,
قناة وكالة ويبنقاه على تلغرام
زر الذهاب إلى الأعلى