قناة وكالة ويبنقاه على تلغرام

فيدان يبحث عن “هندسة أمنية جديدة”: هل يتقارب الموقفان الإيراني والتركي في سوريا؟

استضافت العاصمة الإيرانية طهران هاكان فيدان، وزير الخارجية التركي، في زيارة رسمية الأسبوع الماضي، حيث التقى بعدد من المسؤولين الإيرانيين البارزين. تركزت المباحثات على التعاون الإقليمي والتحديات الأمنية المشتركة.

وبحسب المكتب الدولي لوكالة ويبانقاه الإخبارية، استقبلت طهران الأسبوع الماضي وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في زيارة رسمية، حيث التقى بالسيد عباس عراقجي، وزير الخارجية، ومسعود پزشکیان، رئيس الجمهورية، ومحمد باقر قالیباف، رئيس مجلس الشورى الإسلامي، وعلي لاریجانی، رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني.

ركزت المباحثات على تعزيز التعاون الإقليمي والتصدي للتهديدات المشتركة، وعلى رأسها النظام الصهيوني. وتعتبر هذه الزيارة الأهم لوفد تركي إلى إيران منذ الحرب الإسرائيلية على غزة.

اللافت في الأمر هو الخطاب الذي تبناه فيدان، فبعد أن كانت وسائل الإعلام التركية تصور إيران على أنها دولة ذات سياسات فاشلة وتركيا منتصرة في المنطقة، بات المسؤول التركي يتحدث عن التعاون الإقليمي، خاصة في الملف السوري، بعد العدوان الذي قام به النظام الصهيوني على سوريا.

وفي هذا السياق، أجرت ويبانقاه حوارًا مع يشيم دمير، الخبيرة في العلاقات الدولية، حول هذا الموضوع.

ترى دمير أن زيارة فيدان إلى إيران تمثل خطوة مهمة نحو معالجة التوترات الإقليمية المتأصلة بين البلدين، وإعادة التوازن إلى القوى بعد الحرب الأخيرة. وعلى الرغم من طرح القضايا الاقتصادية خلال المحادثات، إلا أن التركيز الأساسي انصب على الأمن الإقليمي والدبلوماسية. وشملت المبادرات المقترحة تذليل العقبات التجارية، وافتتاح معابر حدودية جديدة، وتعزيز الاتصالات عبر السكك الحديدية، وهي خطوات تهدف إلى تحسين العلاقات.

كما أن خطط إيران لافتتاح قنصلية في وان وتمديد اتفاقية الغاز الطبيعي تشير إلى استمرار التعاون في قطاع الطاقة. ومع ذلك، تكمن الأهمية الرئيسية لهذا الاجتماع في التركيز على القضايا الإقليمية الهامة، مثل الأزمة الفلسطينية في غزة، ومبادرات وقف إطلاق النار في سوريا ولبنان، وسياسات النظام الصهيوني في المنطقة، والمفاوضات النووية الإيرانية. إن إدراك الطرفين لسياسات النظام الصهيوني التوسعية باعتبارها تهديدًا أمنيًا مشتركًا يعكس تقاربًا في وجهات النظر حول التهديدات الإقليمية.

وتضيف دمير أن التزام تركيا بالحفاظ على وقف إطلاق النار في غزة ووقف العدوان في الضفة الغربية يدل على رغبة أنقرة في لعب دور دبلوماسي وإنساني نشط. بالإضافة إلى ذلك، فإن الرؤية المشتركة بشأن مكافحة الإرهاب ونزع سلاح حزب العمال الكردستاني يعزز البعد الأمني للتعاون الإقليمي.

وتوضح الخبيرة أن هذه الزيارة تمثل فرصة لإيران لتخفيف الضغط الاقتصادي في وقت تتصاعد فيه العقوبات والتوترات مع النظام الصهيوني، فالتعاون في مجالي الطاقة والتجارة يمكن أن يوفر بيئة أكثر راحة لإيران.

أما بالنسبة لتركيا، فإن العلاقات المستقرة مع إيران مهمة بشكل خاص لأمن الطاقة وإدارة توازن القوى في سوريا والعراق ومكافحة الإرهاب. ونظرًا لنفوذ إيران على حماس وحزب الله، فإن الجهود الدبلوماسية التركية في غزة يمكن تعزيزها من خلال هذه الاتصالات. كما أن التنسيق بين البلدين في مناطق عدم الاستقرار مثل سوريا ولبنان أمر بالغ الأهمية.

وفي نهاية المطاف، تظهر هذه الزيارة أن البلدين يسعيان إلى إعطاء الأولوية للتعاون في مواجهة الأزمات الإقليمية الحالية. كما أن ضعف النفوذ الروسي في المنطقة بسبب الحرب في أوكرانيا يسمح لتركيا وإيران باكتساب مكانة أكبر في المنطقة.

يذكر أن السفير التركي الجديد في دمشق كان عضوًا في الوفد التركي. وكما هو معروف، كانت القضية السورية دائمًا مثيرة للجدل بسبب الخلافات بين طهران وأنقرة، فهل يشير هذا اللقاء إلى تعزيز التعاون بين البلدين بشأن القضية السورية؟

ترى دمير أن مستقبل الشرق الأوسط يعتمد على تعزيز التعاون والدبلوماسية البناءة بين الأطراف الفاعلة الإقليمية، فإيران تعتبر سوريا منذ فترة طويلة منطقة حيوية لأمنها. وكان لانهيار نظام الأسد تأثير سلبي على الاستراتيجية الإقليمية لإيران، في حين وسع من حيز تحرك النظام الصهيوني.

لقد غيرت التطورات منذ عام 2011 ليس فقط التوازن الداخلي لسوريا، بل الهيكل الجيوسياسي العام للمنطقة. إن انخفاض النفوذ الإيراني وزيادة تدخل النظام الصهيوني، دفع تركيا وإيران إلى إعادة تقييم سياساتهما في سوريا.

وتضيف دمير أنه في حين أن تركيا وإيران لديهما خلافات طويلة الأمد بشأن سوريا، فإن زيارة فيدان إلى طهران ووجود السفير التركي الجديد في دمشق في هذا الوفد يشيران إلى الرغبة في تعاون أوثق في هذا المجال، مما يخلق تقاربًا بين جهود إيران للحفاظ على مكانتها في سوريا والمخاوف الأمنية لتركيا.

وتقول دمير إن الأنشطة المتزايدة للنظام الصهيوني في سوريا واتصالاته مع قوات سوريا الديمقراطية، واستخدام سوريا كأداة للضغط على إيران ودعمه لتشكيل دولة كردية تتمتع بالحكم الذاتي، يخلق تهديدات أمنية لتركيا وإيران على حد سواء. وتؤيد تركيا إنشاء هيكل أمني بديل في سوريا لمواجهة وجود حزب العمال الكردستاني وغيره من المنظمات الإرهابية. وفي هذا السياق، يمكن اعتبار زيارة فيدان جزءًا من البحث عن “هندسة أمنية جديدة” للمنطقة.

لذلك، على الرغم من أن هذه الزيارة لا تعني بالضرورة اتفاقًا كاملاً بشأن سوريا، إلا أنها خطوة إيجابية تشير إلى أن أنقرة وطهران منفتحتان على زيادة التعاون وتعزيز التنسيق في ظل الظروف الحالية. وبالنظر إلى أن إيران لا تزال تتمتع بنفوذ إقليمي كبير، فإن هذه الاتصالات يمكن أن تمهد الطريق للبلدين لمراقبة التطورات في سوريا عن كثب واتخاذ إجراءات مشتركة في بعض المجالات.

وترى الخبيرة أنه تم خلال اللقاء وصف النظام الصهيوني بأنه تهديد مشترك، وكما هو معروف، هدد النظام الصهيوني تركيا أيضًا مرارًا وتكرارًا. وتقول إن العلاقات بين تركيا والنظام الصهيوني شهدت تاريخياً اتجاهاً متقلباً. وفي حين لا يبدو أن التطورات الحالية تدفع الطرفين نحو صراع مباشر، فإن احتمال حدوث صراع غير مباشر في مناطق أخرى، وخاصة سوريا، يبدو أكثر واقعية. وفي هذا السياق، يمكن النظر في سيناريوهات مثل العمليات النفسية والاستخباراتية أو الاغتيالات.

وتضيف أنه عندما تؤخذ عضوية تركيا في الناتو والعلاقات الوثيقة مع الولايات المتحدة في الاعتبار إلى جانب مكانة النظام الصهيوني كحليف حيوي للولايات المتحدة، فإن احتمال نشوب حرب شاملة يتضاءل. وقد تتجلى التهديدات الحالية بشكل أكبر من خلال التوترات غير المباشرة والمحدودة.

وتشير إلى ضرورة الاهتمام بالخطاب الذي يستخدمه الطرفان في مثل هذه اللقاءات، لأن لغة الجسد ونبرة المسؤولين يمكن أن تقدم أدلة حول أهمية اللقاء. فعلى سبيل المثال، خاطب السيد فيدان السيد عراقجي بعبارة “أخي” عدة مرات خلال اللقاء. والجدير بالذكر التغريدة التي نشرها علي لاريجاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، رئيس المجلس الأعلى للأمن الإيراني، وجاء فيها: “مرحباً بكم في بيتكم. على أمل المزيد من التعاون بين إيران وتركيا”. فهل يشير هذا إلى بداية فصل جديد في العلاقات بين البلدين؟

تختتم دمير حديثها بالقول إن هذه الزيارة ورسالة السيد لاريجاني يمكن اعتبارهما عرضًا رمزيًا لنيتهم تعزيز تعاون أوثق في العلاقات التركية الإيرانية. إن مخاطبة هاكان فيدان لنظيره عراقجي بصفته “أخًا” ورسالة لاريجاني، “مرحبًا بكم في بيتكم. على أمل المزيد من التعاون بين إيران وتركيا…” يدل على موقف صادق وبناء للبلدين تجاه بعضهما البعض.

وتؤكد دمير أن دول المنطقة كانت على مر التاريخ في حالة تنافس وتعاون، وتتعاون أحيانًا لضمان الأمن والاستقرار المشتركين. وتضيف أن تركيا والجمهورية الإسلامية الإيرانية هما طرفان فاعلان حيويان في الأمن والسلام الإقليميين. وتشير إلى أن اللغة الدبلوماسية التي استخدمها الطرفان تدل على أن العلاقات تتقدم في اتجاه إيجابي. ومع ذلك، ترى أنه من السابق لأوانه تسمية ذلك بداية حقبة جديدة، وأن المسار المستقبلي للأحداث سيعتمد على الخطوات المتخذة.

 

©‌ وكالة ويبانقاه للأنباء, مهر
قناة وكالة ويبنقاه على تلغرام
زر الذهاب إلى الأعلى