تجدد الاشتباكات الحدودية بين تايلاند وكمبوديا ينسف اتفاق ترامب لوقف إطلاق النار

وبحسب المكتب الدولي لوكالة ويبانقاه الإخبارية، تصاعدت حدة الاشتباكات بين تايلاند وكمبوديا على طول الحدود المشتركة، مما أدى إلى تقويض اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسط فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أكتوبر 2025. وقد أدى تجدد القتال إلى خسائر في صفوف المدنيين والعسكريين، بالإضافة إلى نزوح أعداد كبيرة من السكان.
أفادت مصادر إعلامية بأن الاشتباكات اندلعت في السابع من ديسمبر، مما أثار تساؤلات حول جدوى التوصل إلى حلول دبلوماسية في ظل استمرار التوترات التاريخية بين البلدين. كما أظهرت هذه الأحداث هشاشة الجهود الدبلوماسية السطحية التي اعتمدت على الضغوط الاقتصادية قصيرة الأجل.
يعتبر معبد “بره فيهيار” القديم، الذي يعود تاريخه إلى القرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين، رمزًا للخلاف العميق بين تايلاند وكمبوديا. يقع المعبد على قمة جبل دانغريك، ويشكل نقطة خلاف رئيسية حول ترسيم الحدود بين الدولتين. تعود جذور النزاع الحالي إلى المعاهدات الفرنسية السيامية المبرمة في أوائل القرن العشرين، والتي تضمنت خرائط متناقضة حول موقع المعبد.
في عام 1962، قضت محكمة العدل الدولية بأن المعبد يتبع كمبوديا، لكن الوضع القانوني للمناطق المحيطة به ظل غامضًا. وفي عام 2008، تجددت التوترات عندما قدمت كمبوديا طلبًا لتسجيل المعبد في قائمة التراث العالمي لليونسكو، مما أدى إلى اشتباكات مسلحة أسفرت عن سقوط ضحايا.
تجاوز الخلاف حول معبد “بره فيهيار” كونه مجرد مسألة حدودية، ليصبح رمزًا للهوية الوطنية والفخر التاريخي لكل من البلدين. بالنسبة للكمبوديين، يمثل المعبد إرث إمبراطورية الخمير. وبالنسبة للتايلانديين، يعتبرونه جزءًا من أراضيهم التاريخية التي تم التنازل عنها لكمبوديا في الخرائط الاستعمارية.
اندلعت جولة جديدة من الاشتباكات في عام 2025، مما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى ونزوح أعداد كبيرة من السكان. وقد كشفت هذه الأحداث عن أن اتفاق وقف إطلاق النار الذي رعاه الرئيس ترامب لم يكن كافيًا لحل الخلافات الجذرية بين البلدين.
عندما أشرف دونالد ترامب على اتفاق وقف إطلاق النار بين تايلاند وكمبوديا في كوالالمبور في 26 أكتوبر 2025، وصف ذلك بأنه نصر دبلوماسي كبير. لكن الواقع كان مختلفًا، فبعد أقل من أسبوعين على توقيع الاتفاق، توقف التقدم في تنفيذه بعد إصابة عدد من الجنود التايلانديين في انفجار لغم. وقد اتهمت تايلاند كمبوديا بزرع ألغام جديدة، وهو ما نفته كمبوديا.
يكمن جوهر المشكلة في أن ترامب تعامل مع النزاع التايلاندي الكمبودي باعتباره مجرد مسألة أمنية قصيرة الأجل يمكن حلها بالضغط الاقتصادي ووقف إطلاق النار الفوري. إلا أن هذا النزاع متجذر في أكثر من قرن من التاريخ المعقد، بما في ذلك المعاهدات الاستعمارية في الحقبة الفرنسية والخرائط الحدودية المتنازع عليها والمنافسات التاريخية بين إمبراطوريتي الخمير وسيام والمشاعر القومية العميقة في كلا البلدين.
لم يقدم اتفاق أكتوبر أي آلية لحل النزاعات الأساسية، مثل ملكية الأراضي المحيطة بمعبد “بره فيهيار” ونقاط الحدود الأخرى. كان إطلاق سراح 18 أسيرًا كمبوديًا والانسحاب من المدفعية الثقيلة مجرد إجراءات سطحية لم تقدم أي إجابات على الأسئلة الجوهرية: من يملك الأراضي المتنازع عليها؟ كيف يجب تحديد الحدود؟ وما هي الآلية الموجودة لمنع الصراعات المستقبلية؟
اليوم، الوضع على الحدود التايلاندية الكمبودية أكثر خطورة من أي وقت مضى في العقد الماضي. والاشتباكات مستمرة منذ عدة أيام باستخدام الصواريخ والطائرات بدون طيار والمدفعية الثقيلة، وامتدت إلى عدة نقاط على طول الحدود، مما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات من الجانبين.
لكن أبعد من أرقام الضحايا المتغيرة باستمرار، فإن اللغة السياسية تزداد حدة. كتب هون سين، الزعيم الكمبودي السابق وصاحب النفوذ، والذي يشغل الآن منصب رئيس مجلس الشيوخ، على حسابه في الفيسبوك: “يجب على قواتنا المسلحة الرد في جميع النقاط التي يهاجم فيها العدو”. ومن ناحية أخرى، أعلن رئيس الوزراء التايلاندي أن وقت المفاوضات قد انتهى ما لم تحترم كمبوديا التزامات وقف إطلاق النار.
أكد سيهاساك فوانجكيتكيو، كبير الدبلوماسيين والمسؤول بوزارة الخارجية التايلاندية: “الدبلوماسية تعمل عندما تسمح الظروف بذلك. للأسف، ليس لدينا مثل هذه المساحة في الوقت الحالي”. وأضاف أن العمليات العسكرية ستستمر حتى تظهر كمبوديا استعدادًا حقيقيًا للتوقف.
كان رد المجتمع الدولي محدودًا أيضًا. أعرب رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم عن قلقه العميق وقال إن “الحرب المتجددة تهدد بتقويض العمل الدقيق الذي تم إنجازه لتحقيق الاستقرار في العلاقات”. ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش كلا البلدين إلى العودة إلى إطار كوالالمبور، لكن لم يتم ممارسة أي ضغط كبير.
وحذرت السفارة الأمريكية من ضرورة تجنب المواطنين الأمريكيين السفر إلى مسافة 50 كيلومترًا من الحدود التايلاندية الكمبودية، ولا تزال الظروف غير مستقرة. ويستمر الإخلاء الواسع النطاق للمدنيين من كلا جانبي الحدود، وأعلنت تايلاند أنه تم إنشاء ما يقرب من 500 ملجأ مؤقت في أربع مقاطعات حدودية، تستضيف أكثر من 125 ألف شخص.
بمراقبة الوضع، يتبين أن هناك احتمال لتصعيد الحرب. تنقل وسائل الإعلام التايلاندية عن رئيس أركان الجيش قوله إن هدف تايلاند هو “إخراج الجيش الكمبودي من الخدمة لفترة طويلة”، مما يشير إلى قرار باتخاذ إجراءات عسكرية أوسع. من ناحية أخرى، بدأت البحرية التايلاندية عملية لطرد القوات الكمبودية من المناطق المتنازع عليها.
بشكل عام، الأفق قاتم، وفي أحسن الأحوال، يمكن للضغوط الدولية والتعب من الحرب أن يؤديا إلى وقف إطلاق نار مؤقت آخر، ولكن بدون حل النزاع الرئيسي، سيكون وقف إطلاق النار هذا هشًا أيضًا. في أسوأ السيناريوهات، تتصاعد الصراعات إلى حرب شاملة ستكون لها عواقب وخيمة على كلا البلدين والاستقرار الإقليمي.
