الإرهاب الجيد والسيء.. انعكاسات جريمة سيدني وإبادة غزة في الإعلام الغربي
![[object Object] /الإرهاب , الإعلام الغربي , المعايير المزدوجة , فلسطين , أستراليا](/wp-content/uploads/2025/12/webangah-103edfcc6ec06dcb7e3e996cf622da7bf527419c0dc3757699e9f004d36c8903.jpg)
وبحسب المكتب الدولي لوكالة ويبانقاه الإخبارية، فإن الهجوم الذي استهدف مدنيين في شاطئ بونداي بسيدني الأسترالية، وأسفر عن سقوط عشرات الضحايا بين قتلى وجرحى، يمثل جريمة إرهابية بكل المقاييس. استهداف المدنيين العزل في أي مكان بالعالم، بغض النظر عن دياناتهم أو هوياتهم، يشكل انتهاكاً صارخاً للمبادئ الإنسانية والقانون الدولي، ولا يمكن تبريره تحت أي ذريعة. ومع ذلك، فإن إدانة هذا الهجوم لا يجب أن تحول دون نقد طريقة تغطية الإعلام الغربي له، ومقارنة ردود الأفعال هذه مع صمته أو تعامله الانتقائي مع العنف ضد المدنيين، خاصة في فلسطين.
العنف يستحق الإدانة دون استثناء أو انتقائية. من المبادئ الأساسية التي يجب التأكيد عليها بوضوح أن العنف، خاصة عندما يستهدف المدنيين، محكوم بأي شكل وفي أي جغرافيا. لا يمكن لأي مبدأ أو شعار أو ادعاء أن يبرر قتل الأبرياء، وهذا المبدأ يجب أن يكون أساساً مشتركاً لكل التحليلات. في حادثة سيدني، لم يكن هذا الهجوم “احتجاجاً” ولا “رسالة سياسية”، بل كان عملاً عشوائياً مدمراً أزهق أرواح أناس أبرياء. التأكيد على هذه النقطة مهم لأن النقد اللاحق للإعلام والحكومات الغربية لا يعني بأي حال التشكيك في إدانة هذا الهجوم.
إدانة الهجوم ونقد الرواية.. مساران متوازيان. إدانة الحادثة لا تعني القبول الكامل بطريقة صياغة الرواية الإعلامية الغربية حولها، ويجب الفصل بين الأمرين. وسائل الإعلام الغربية الرئيسية، في الساعات الأولى بعد الهجوم على تجمع لليهود في سيدني، وضعت إطاراً إخبارياً ركز على “الصدمة الوطنية” و”التهديد للمجتمع” و”ضرورة التضامن”، مما خلق أجواء عاطفية شديدة. هذا الإطار، وإن كان مفهوماً من حيث التعاطف مع الضحايا، يصبح إشكالياً عندما يتحول إلى نموذج انتقائي. السؤال الجوهري هو هل تظهر هذه الوسائل نفس مستوى الحساسية والتعاطف والتغطية الواسعة عند تغطية كوارث إنسانية أخرى، خاصة ما يحدث في فلسطين؟ الإجابة على هذا السؤال تشكل أساس النقد الإعلامي المشروع.
المعايير المزدوجة في تصوير الضحايا. من أكثر التناقضات وضوحاً في التغطية الإعلامية الغربية هو الفرق في التعامل مع ضحايا حادثة سيدني وضحايا العنف في فلسطين. في حادث شاطئ بونداي، سارعت وسائل الإعلام إلى تقديم الضحايا، وتحدثت عن حياتهم الشخصية، ونشرت صوراً وروايات عاطفية، مما أثار موجة من التعاطف العام. بالمقابل، في غزة، آلاف النساء والأطفال ضحايا القصف والحصار والهجمات العسكرية، غالباً ما يتم تصويرهم كإحصائيات جافة بلا روح، ونادراً ما تظهر أسماؤهم أو وجوههم للرأي العام الغربي. هذا الاختلاف ليس عشوائياً، بل له جذور في نظرة تمييزية تقيّم حياة البشر حسب موقعهم السياسي والجغرافي، وليس على أساس إنسانيتهم.
دور السياسة في تحديد “الضحية الجديرة بالتعاطف”. هذه المعايير المزدوجة تظهر أن مفهوم “الضحية الجديرة بالتعاطف” في الخطاب الإعلامي الغربي أصبح شديد السياسة. الضحايا الذين يقعون ضمن مصالح الغرب السياسية يظهرون بسرعة ويُسمع صوتهم، بينما الضحايا المرتبطين بسياسات حلفاء الغرب، خاصة الكيان الصهيوني، إما يتم تجاهلهم أو إخراجهم من دائرة التعاطف بتبريرات أمنية. هذا النهج ليس دفاعاً عنه أخلاقياً فحسب، بل يضعف ثقة الرأي العام العالمي بوسائل الإعلام الرئيسية، وهذه عدم الثقة لها تبعات طويلة الأمد.
أحمد الأحمد.. الفعل الإنساني يتجاوز الحدود الهوياتية. في خضم هذه الأجواء المشحونة، لفتت الأنظار تصرف أحمد الأحمد، المواطن الأسترالي المسلم الذي تدخل بشجاعة ونزع سلاح أحد المهاجمين. هذا التصرف يمثل نموذجاً للفعل الإنساني في مواجهة العنف العشوائي، وأظهر أن المسؤولية الأخلاقية يمكن أن تظهر في أحلك اللحظات. تصرف أحمد الأحمد ليس بصفته ناشطاً سياسياً ولا ممثلاً لدين معين، بل كإنسان عادي قرر إنقاذ حياة الآخرين، وهذه النقطة تحديداً هي ما يعطي قيمة لفعله. هذه الرواية تحافظ برسالتها الإيجابية عندما تبتعد عن الاستغلال السياسي والدعائي، ولا تتحول إلى أداة لتبرير سياسات تتجاهل حياة المدنيين في أماكن أخرى من العالم.
الاستغلال المحتمل للروايات الإنسانية. تركيز الإعلام الغربي على الهوية الدينية لأحمد الأحمد، وإن بدا ظاهرياً بهدف التأكيد على التعايش والتعددية الثقافية، قد يكون له وظيفة خفية. هذا النوع من صياغة الروايات يتم أحياناً بطريقة تفصل بين “الإسلام المقبول” وأي اعتراض سياسي على سياسات الغرب والكيان الصهيوني، وتهمش صوت المسلمين المعارضين لجريمة غزة. هذا النهج، وإن بدا إنسانياً في الظاهر، إلا أنه في طبقاته العميقة جزء من إدارة الرأي العام، ويحتاج إلى نقد واعٍ.
نقد السياسات الغربية دون تبرير العنف. نقد المعايير المزدوجة للإعلام والسياسة الغربية لا يعني بأي حال تبرير أو التقليل من شأن الهجوم على تجمع لليهود في سيدني، وهذا التمييز يجب الحفاظ عليه دائماً. الموقف المبدئي واضح وهو إدانة أي هجوم على المدنيين في أي مكان بالعالم. ومن هذا الموقف الأخلاقي بالذات يمكن التساؤل: لماذا تصف الحكومات ووسائل الإعلام اليوم الهجوم في شاطئ بونداي بالإرهاب بكل حزم، بينما تصمت أمام المجازر الواسعة للمدنيين الفلسطينيين أو تبررها بمصطلحات مثل “الدفاع الشرعي”؟ هذا التناقض يضعف الشرعية الأخلاقية للخطاب الغربي المناهض للإرهاب، ويجعله موضع شك في عيون الرأي العام العالمي.
شاطئ بونداي وغزة.. ردتا فعل ومعيار أخلاقي واحد. إذا كان الإرهاب يستحق الإدانة، فيجب أن تكون هذه الإدانة مبنية على معيار ثابت وعالمي، وليس على المصالح السياسية. الهجوم على الناس في شاطئ بونداي يستحق الإدانة، تماماً كما يستحق قصف المنازل والمستشفيات ومخيمات النازحين في غزة الإدانة. الفصل بين هذين الأمرين ليس دفاعاً عنه إنسانياً ولا مقبولاً قانونياً. هذه الازلية هي بالضبط النقطة التي يجب أن يركز عليها النقد الإعلامي والسياسي ويتحداها.
ختاماً، حادثة سيدني كانت هجوماً على مدنيين عزل وتستحق الإدانة الكاملة دون قيد أو شرط. لكن هذه الإدانة تكتسب معناها وقيمتها الحقيقية فقط عندما تطبق بشكل متساوٍ وغير تمييزي على كل ضحايا العنف في العالم. إذا كانت حياة البشر ثمينة، فلا يجب أن تكون هذه القيمة انتقائية، وإذا كان العنف مذموماً، فيجب أن تشمل هذه الإدانة كل أشكاله، من أستراليا إلى غزة. فقط بهذا النهج يمكن مواجهة العنف العشوائي وتجنب الوقوع في فخ الروايات الانتقائية والسياسية، والتمسك بالمبادئ الإنسانية والأخلاقية.
