حداداً على “محمد أحمد الرشيد” المفكر العراقي الداعم للمقاومة الفلسطينية
وبحسب تقرير المجموعة الدولية وكالة تسنيم للأنباء، “محمد أحمد ال – رشيد” من مواليد بغداد عام 1938، كان من الشخصيات البارزة والمؤثرة في مجال الدعوة (أي الدعوة إلى الإسلام ونشر الفكر الإسلامي) والفكر الإسلامي المعاصر. ويعرف رشيد بأنه أحد أبرز قيادات جماعة الإخوان المسلمين في العراق، والذي كان له دور فعال في تشكيل الفكر الإسلامي المعاصر.
“محمد أحمد الرشيد”، كان في الواقع اسم مستعار. ويأتي هذا الاختيار بسبب الظروف الأمنية السائدة في العراق وبعض الدول الأخرى. اسمه الحقيقي “عبد المنعم صالح العلي العزي”. واضطر “الشيخ عبد المنعم” إلى إخفاء هويته وممارسة الأنشطة الدينية والعلمية والأدبية تحت اسم مستعار بسبب الضغوط التي سببها نظام البعث والاضطهاد المستمر.
وكانت هذه الممارسة شائع جدًا في ذلك الوقت. اختار العديد من المفكرين والكتاب أسماء مستعارة لإنقاذ حياتهم وحريتهم. وفي عام 1971، غادر الشيخ راشد وطنه إلى الكويت والإمارات العربية المتحدة بسبب عدم أمن الوضع الحالي، إلا أنه تم اعتقاله وتعذيبه في الإمارات. وهي تجربة مؤلمة تعرض لها في ذلك الوقت كثير من أمثاله.
وكانت هذه العذابات بسبب نشاط الشيخ راشد في المجال الإسلامي والتأثير الواسع لأفكاره بين الشباب. جيل الإماراتي معترف به كقيادة فكرية وروحية في هذا البلد. إن التأثير الفكري لمحمد أحمد الرشيد ونشاطاته الواسعة جعل بعض حكومات المنطقة، وخاصة دول الخليج الفارسی، تعتبره خطراً على أمنها القومي.
تم تنفيذ عمليات التعذيب هذه بشكل رئيسي بأمر من ضباط الأمن المصريين المتقاعدين الذين تمت دعوتهم إلى دول الخليج الفارسی بهدف إضعاف تأثير الأفكار الإسلامية وقمع الإسلاميين. خلال تلك الفترة، قامت العديد من دول الخليج الفارسی بدعوة ضباط الأمن المصريين السابقين لضمان أمنهم. هؤلاء الضباط، من خلال نقل تجاربهم وآرائهم السلبية حول الإسلاميين إلى قوات الأمن في الدول الناشئة في الخليج الفارسی، خلقوا جوًا من السخرية والعداء تجاههم في المنطقة.
وقام بتدريب قوة أمنية جديدة تنظر إلى الإسلاميين بنظرة عدائية.
بذل محمد أحمد الرشيد طوال حياته العديد من الجهود لتصحيح الخلافات بين الجماعات الإسلامية المختلفة وتعزيز أفكار معتدلة. لقد سعى دائمًا إلى خلق الوحدة والتعاطف بين المسلمين وتجنب التطرف والعنف. إلا أن جهوده لم تنجح في كثير من الأحيان، إلا أن إرثه الفكري والروحي لا يزال يلهم العديد من المسلمين حول العالم.
نصوص بسيطة وسلسة في أعمال الشيخ راشد
أعمال الشيخ راشد كتب العديد من الأعمال في مجالات فكرية ودينية مختلفة، وتُرجم الكثير منها إلى الفارسية والروسية والصينية والإنجليزية والفرنسية. كما شارك في العديد من المؤتمرات واللقاءات العلمية، ونشر عدة مقالات في مجلة “المقطم”. وارتبطت ذروة هذه الأنشطة بتأسيس “مجلس أهل السنة والجماعة” في العراق. وكان الغرض من إنشاء هذا المجلس هو خلق الوحدة والتعاطف بين المسلمين السنة في حقبة التغيرات السياسية المضطربة في العراق. . وتحدث في هذه الأعمال عن الجهاد وإحياء القيم الإسلامية وقدم حلولاً لتحسين الوضع في العراق وإعادة السلام والأمن إلى هذا البلد.
تُعد الأعمال المنشورة لـ “محمد أحمد الراشد” كنزًا غنيًا بالأفكار الدينية والاجتماعية والأدبية التي تركت أثرًا عميقًا في أجيال عديدة من الناشطين الإسلاميين، وخاصة حركة الدعوة الإسلامية. الإخوان المسلمون. وتعرف مؤلفاته، ومنها “المنطلق”، و”العواق”، و”اللاهيم”، و”أحياء فقه الدعوة”، بأنها مصادر التعليم والمعرفة الأساسية في هذه الحركة التي قامت بتربية أجيال مختلفة.
هذه الأعمال التي كتبت تحت تأثير المدرسة الأدبية “الرافاعية” تنقل المفاهيم الإسلامية العميقة للجمهور بلغة فصيحة وأدب غني. ومن خلال الجمع بين وجهات النظر الفلسفية والإسلامية في كتاباته، خلقت المدرسة الأدبية “الرفاعي” أسلوبًا أدبيًا فريدًا واستطاعت أن تترك تأثيرًا كبيرًا على الأجيال القادمة من الكتاب المسلمين.
ومن الصفات التي اتسم بها الشيخ راشد الأدب والتواضع الذي كان يستخدمه في تواصله مع جمهوره. قام بتضمين عنوان بريده الإلكتروني الشخصي في كتبه وسمح للقراء بالتواصل معه.
كان للشيخ راشد رؤية عميقة للقضايا الإسلامية. كان لديه القدرة على التعبير عن أعقد المفاهيم بلغة بسيطة وطلاقة، وكان حتى اللحظات الأخيرة من حياته يتحدث عن قضايا العالم الإسلامي، وخاصة قضية فلسطين والمقاومة، وموضوعات مثل آل- طوفان الأقصى وحماس. وعلى الرغم من كبر سنه، إلا أنه كان على دراية بالأحداث الجارية وقدم تحليلاً واضحًا لها.
التأكيد على الإبداع وإصلاح الطرق التقليدية لنشر الإسلام
آمن الشيخ راشد بمراجعة وإصلاح الطرق التقليدية لنشر الإسلام . ووفقا له، من أجل خلق حركة ديناميكية وفعالة في الترويج للأفكار الإسلامية، هناك حاجة إلى مبشرين ملتزمين وواسعي المعرفة يمكنهم، بالاعتماد على التجارب السابقة، تصميم وتنفيذ أساليب دعوية أكثر فعالية، ومن خلال تبسيط المفاهيم الدينية المعقدة وتكييفها مع واحتياجات المجتمع، والأفكار تنشر الإسلام. وبحسب الشيخ راشد، فإن الحرب الناعمة والأساليب السلمية في عالم اليوم هي أدوات فعالة للتعامل مع الظلم. إلا أنه أكد أيضًا على أن الجهاد وقتال الاستعمار واجب إذا لزم الأمر.
ورأى محمد أحمد الرشيد أن على دعاة الفكر الإسلامي تجنب التكرار وتجنب التقليد الأعمى والتحرك. نحو التفكير النقدي والبحث والابتكار. ورأى أن تطور الفكر الإسلامي ممكن من خلال المحاور الخمسة الرئيسية وهي “العقائد الصحيحة”، و”الفقه المعتدل”، و”نمط الاجتهاد”، و”الإبداع”، و”التخطيط”، وشدد بشكل خاص على أهمية “الإبداع”. في تعزيز الأهداف الإسلامية، وكان له تركيز خاص.
وبحسب الشيخ راشد، يمكن للإبداع أن يخرج المفاهيم الدينية من الحالة الجافة والتقليدية ويقدمها للجمهور بطرق جذابة وفعالة. . على سبيل المثال، يمكن تحويل رواية تاريخية إلى قصيدة أو لوحة أو نحت أو مسرحية أو فيلم، وبالتالي تكتسب المزيد من العمق والتأثير.
في رأيه، الإبداع هو عملية هو ديناميكي ومستمر، يبدأ بتكوين الأفكار الأولية وينتهي أخيرًا بخطط قابلة للتنفيذ. كما أكد الشيخ راشد على أهمية دراسة التاريخ كأداة لتعزيز الإيمان وفهم الماضي بشكل أفضل. ووفقا له، يمكن للتاريخ المعاصر أن يمنحنا فهما أفضل للأحداث نظرا لقربه من الحاضر. وبموقف مبتكر واستراتيجي، جلب الشيخ راشد أبعادا جديدة إلى مجال نشر الأفكار الإسلامية. وأضاف أنه كان كذلك قبل ذلك حظيت باهتمام أقل في المناقشات الفقهية. أحد هذه الأبعاد الجديدة هو التأكيد على أهمية الجماليات في التعليم الديني.
وكان يعتقد أن تنمية “حس الجمال” لدى المبشرين الدينيين يمكن أن يؤدي إلى إنشاء أعمال قيمة فن نقل المفاهيم الدينية للجمهور بطريقة جذابة وفعالة. كما أكد الشيخ راشد على الدور المركزي للفن في نشر الدين. وأوضح الشيخ راشد كيفية تصميم وتنفيذ برامج دعوية أكثر فعالية من خلال الجمع بين المبادئ العلمية والتعاليم الدينية.
وبشكل عام، كان الشيخ راشد يؤكد دائماً على ضرورة العودة إلى المصادر الأساسية للإسلام وتجنب وشدد على البدعة. ومن خلال الجمع بين التعاليم الإسلامية والعلوم المختلفة، وخاصة العلوم الإنسانية، حاول الشيخ راشد تقديم رؤية جامعة وشاملة للإسلام ومختلف أبعاد الحياة الإنسانية الفردية والاجتماعية.
حماس والمقاومة الفلسطينية من وجهة نظر الشيخ رشيد
كان لدى الشيخ راشد إيمان راسخ بالحرية وأدان الاستبداد بأي شكل من الأشكال. وشدد في كتاباته الأخيرة على أهمية الثبات على طريق نشر الفكر الإسلامي وتعزيز التدريب الجهادي ومواجهة البدع بقلمه من نضالات الأمة العراقية ضد الاستعمار الأمريكي. وهو معروف بدعم القضية الفلسطينية والمقاومة الإسلامية، وكتب عن عملية طوفان الأقصى التي بدأت في 7 أكتوبر 2023، في مجلة “المجتيم” الكويتية في 2 نوفمبر 2023: “تصرفات حماس تم إجراؤها بوعي ودقة، ولم يكن فيها أي استعجال أو انفعال أو استهتار في اتخاذ القرار. وقد صاحبت هذه التحركات عقلانية وحسابات دقيقة وتخطيط هندسي واتبعت خارطة طريق موثوقة. وقرارات هذه الحركة كانت جماعية ولم يتأثر بها أي قائد منفرد”. كما أشار الشيخ رشيد إلى الواقعية والاعتدال في حركة حماس، وهو السبب في استقرار وصحة هذه الحركة. ويرى أن حماس استطاعت أن تقدم نموذجا في الجهاد يدل على المنطق والتخطيط الدقيق ويدحض ادعاءات من اعتبر أي نشاط جهادي عملا طائشا.
كما أكد أن حماس لقد ظهرت كحركة نظيفة خالية من المغامرة الشديدة والتعصب والتسرع، في حين أن تنظيمات أخرى مثل داعش والقاعدة وحتى بعض الجماعات الأفغانية والشيشانية تعاني من التعصب الشديد والتسرع، لذلك هناك فرق كبير بينهما وحماس.
توفي محمد أحمد الرشيد الذي كان يعاني من المرض في 27 أغسطس 2024 في كوالالمبور بماليزيا . فعل وعبرت حركة المقاومة الإسلامية حماس، في رسالة رسمية، عن تعازيها بوفاة هذا المفكر الديني. وجاء في هذا البيان الصحفي أن علاقة الشيخ رشيد بقيادات حركة حماس استمرت حتى آخر أيام حياته. وكان الشيخ رشيد يفتخر بقيادات حماس ويعتبرهم قادة علماً ونموذجاً لكل الحركات الإسلامية والجهادية ويرى أنهم مصدر فخر ورمز وقدوة ومصدر تألق وأمل أكيد للعالم الإسلامي. .
المؤلف: علي نوريان، خبير في القضايا الدولية
© | وقد قام مركز ويبانغاه الإخباري بترجمة هذا الخبر من مصدر وكالة تسنیم للأنباء |