وقعت طوفان الأقصى في أي سرير؟
وبحسب المجموعة الدولية وكالة تسنيم للأنباء الدكتور جواد الحيدري أستاذ قسم الفلسفة بجامعة الشهيد: عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر أثار عام 2023 ردود فعل متباينة بين الناس. أريد أن ألقي نظرة على الوضع في غزة قبل 7 أكتوبر، استنادا إلى كتاب إيلان بيب “أكبر سجن على وجه الأرض: تاريخ غزة والأراضي المحتلة” الصادر عام 2019، وبناء على البحث الذي أجراه هذا الكتاب، أود أن أختتم بأن يوم 7 أكتوبر هو رد فعل طبيعي على هذا الوضع.
المقدمة
كتاب “أكبر سجن على وجه الأرض” للكاتب إيلان بابي، يدرس الأصول والهياكل والاستراتيجيات الكامنة وراء احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية بعد حرب الأيام الستة عام 1967. ويقول بابي إن الاحتلال قد حول فعلياً الضفة الغربية وقطاع غزة إلى ما يسميه “السجن الكبير”، حيث يتم احتجاز الفلسطينيين والسيطرة عليهم وحرمانهم بشكل منهجي من حرياتهم وحقوقهم. بصفته مؤرخًا بارزًا، يرى بيب الوضع من منظور الاستعمار الاستيطاني ويشير إلى أن الاحتلال لم يكن إجراءً أمنيًا مؤقتًا ولا ردًا على الصراع، بل كان جهدًا محسوبًا ومستدامًا متجذرًا في الأيديولوجية الصهيونية والأهداف الإقليمية طويلة المدى /p>
يوضح هذا المقال كيف تتحدى أعمال بوب الروايات الشائعة المحيطة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني. يفعل نبدأ بدراسة السياقات الأيديولوجية والتاريخية، ثم ندرس أساليب ونماذج السيطرة، ونختتم أخيرًا بتقييم بابي النقدي لعملية السلام واستنتاجاته حول تأثير الاحتلال.
- السياق التاريخي: الأسس الأيديولوجية والاستعدادات الإستراتيجية
يضع البابا الاحتلال الإسرائيلي في الإطار الأوسع للأيديولوجية الصهيونية. ومنذ بداية هذه الحركة في أواخر القرن التاسع عشر، سعت الصهيونية إلى إنشاء وطن لليهود في أرض فلسطين التاريخية. ومع ذلك، واجهت وجهة النظر هذه تحديًا ديموغرافيًا خطيرًا: كانت المنطقة مأهولة في الغالب بالمجتمعات العربية الفلسطينية غير اليهودية. إن هدف الصهيونية المتمثل في إنشاء أغلبية يهودية ودولة يهودية في أرض ذات أغلبية غير يهودية، وفقًا للبابا، يتطلب استراتيجيات لنقل السكان وإعادة بناء النسيج السكاني.
أ) حرب 1948 والتطهير العرقي
البابا إن إنها تعيد الاستراتيجيات إلى الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948، عندما تزامن إنشاء إسرائيل مع الطرد القسري لأعداد كبيرة من الفلسطينيين. وكانت هذه العملية، التي أطلق عليها اسم التطهير العرقي، تهدف إلى إحداث تغيير في النسيج الديموغرافي لتسهيل إقامة دولة ذات أغلبية يهودية. وعلى الرغم من أن حرب عام 1948 أدت إلى قيام إسرائيل وتهجير العديد من الفلسطينيين، إلا أن مناطق مثل الضفة الغربية وقطاع غزة ظلت تحت سيطرة الأردن ومصر.
ب) تخطيط 1963 وخطة شاخم
البابا ويقدم دليلاً على أن إسرائيل كانت تستعد لاحتلال محتمل للضفة الغربية منذ عام 1963. حددت هذه الاستراتيجية الوقائية، المعروفة باسم خطة شاحام، إجراءات إدارية مفصلة للسيطرة على هذه المناطق. وتضمنت هذه الإجراءات نظام الحكم العسكري والهياكل القضائية وضوابط الشرطة، وأظهرت أن احتلال هذه الأراضي عام 1967 لم يكن مجرد رد فعل، بل تطور استراتيجي ومخطط له. ويؤكد هذا التخطيط طويل المدى حجة بوب بأن الاحتلال كان إيديولوجيًا إلى حد كبير وليس مجرد استجابة لمخاوف أمنية.
- حرب الأيام الستة عام 1967: فرصة للتنمية استراتيجية
كانت حرب الأيام الستة عام 1967 نقطة تحول في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني . أدى النجاح السريع الذي حققته إسرائيل في هذه الحرب إلى احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء ومرتفعات الجولان. ويرى باب أن هذا الاحتلال كان أكثر من مجرد ضرورة تكتيكية وسعى إلى تحقيق هدف أيديولوجي يتماشى مع رؤية “إسرائيل الكبرى”.
وبعد الحرب، أنشأت إسرائيل إدارة عسكرية مارست ما وصفه البابا بـ”السيطرة الكاملة” على السكان الفلسطينيين. قامت الحكومة الإسرائيلية بإدارة وتقييد حركة الفلسطينيين وحقوقهم واستقلالهم السياسي باستخدام قوانين الطوارئ والأوامر الموروثة من فترة الوصاية البريطانية والقوانين الأردنية.
- بناء سجن كبير: الهياكل الإدارية والعسكرية
ويصف البابا الاحتلال بأنه بناء “سجن كبير”، حيث يخضع الفلسطينيون لرقابة إدارية وعسكرية صارمة. ولا يقتصر هذا الهيكل على الحواجز المادية؛ بل يشمل نظامًا بيروقراطيًا واسعًا مصممًا لتنظيم كل جانب من جوانب الحياة الفلسطينية.
أ) نقاط التفتيش والجدران والمستوطنات
تتضمن السياسة الإسرائيلية إنشاء نقاط تفتيش وحواجز وشبكات كانت هناك العديد من الطرق التي كانت في كثير من الأحيان وحيدا وسُمح للمستوطنين الإسرائيليين باستخدامها. وقد قيدت هذه الهياكل المادية حركة الفلسطينيين وجزأت الأراضي الفلسطينية، وحولتها إلى مناطق معزولة محاطة بالأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل. كما أدى بناء الجدار العازل في الضفة الغربية إلى استقرار هذه العزلة وتقييد وصول الفلسطينيين إلى العمل والتعليم والصحة وعائلاتهم.
ب) المستوطنات كأداة للسيطرة
المستوطنات الإسرائيلية التي تقع في موقع استراتيجي على الضفة إنهم موجودون في الغرب، ويلعبون دورًا أساسيًا في هيكل السجن الفائق هذا. ولم يتم إنشاء المستوطنات لاستيعاب المواطنين الإسرائيليين فحسب، بل إنها أدت إلى تقسيم الأراضي الفلسطينية، والحد من تماسكها، وتعقيد أي مفاوضات سلام في المستقبل من خلال خلق “حقائق على الأرض”. ومن خلال إنشاء مناطق ذات أغلبية يهودية داخل الأراضي الفلسطينية، سيطرت إسرائيل بشكل فعال على الحركة الفلسطينية وقلصت الأراضي المتاحة للسيادة الفلسطينية المحتملة.
- نماذج التحكم: فتح السجن أمام السجن سجن مع أقصى قدر من الأمان
يصف البابا النموذجين الرئيسيين اللذين استخدمتهما إسرائيل في إدارة الأراضي المحتلة:
أ) نموذج السجن المفتوح
تم استخدام هذا النموذج في الأوقات التي كانت فيها التوترات أقل. مُنح الفلسطينيون حكمًا ذاتيًا محدودًا، لا سيما في مجالات مثل الحكم المحلي والأنشطة الاقتصادية، إلا أن حريتهم ظلت محدودة. وساد هذا النموذج منذ العام 1967 حتى الانتفاضة الأولى في العام 1987، ومرة أخرى بعد اتفاقات أوسلو في العام 1993. تم تصميم عملية أوسلو، وفقًا لبوب، لخلق ما يشبه الحكم الذاتي الفلسطيني، في حين احتفظت إسرائيل بالسيطرة المطلقة على شؤون الحدود والأمن.
ب) نموذج سجن يتمتع بأقصى درجات الأمان
خلال فترات المقاومة، مثل الانتفاضة الأولى والثانية، شددت إسرائيل سيطرتها وتحول نموذج السجن المفتوح إلى نموذج سجن شديد الحراسة. وشمل هذا النموذج حظر التجول، والاعتقالات واسعة النطاق، وهدم المنازل، والقيود على الأنشطة الاقتصادية. ويستشهد بوب بقطاع غزة كمثال متطرف لهذا النموذج، خاصة بعد الانسحاب الإسرائيلي الأحادي الجانب في عام 2005. وفي أعقاب هذا الإجراء، أصبحت غزة تحت الحصار الذي جعلها واحدة من أكثر المناطق كثافة سكانية ومعزولة في العالم >
- الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية للمهنة
يولي البابا اهتمامًا كبيرًا بالأثر الاقتصادي للاحتلال على المجتمع الفلسطيني. وهو يرى أن إسرائيل أنشأت نظامًا للتبعية الاقتصادية يُخضع الموارد والعمالة والأسواق الفلسطينية للاحتياجات الإسرائيلية. ويعمل العديد من الفلسطينيين في وظائف منخفضة الأجر في إسرائيل بسبب قلة الفرص الاقتصادية المحلية، ويواجه القطاعان الزراعي والصناعي في الضفة الغربية وغزة قيودًا تحد من نموهما.
أ) التأثير النفسي ونموذج سجن البانوبتيكون
يؤثر الاحتلال أيضًا على الصحة العقلية ورفاهية المجتمع الفلسطيني. ويشير بابي إلى التأثير النفسي للمراقبة المستمرة ونقاط التفتيش والوجود العسكري المكثف، مشبها هذه البيئة بمفهوم “البانوبتيكون”؛ نموذج لسجن حيث السجناء تحت المراقبة المستمرة. هذا النوع من السيطرة، وفقًا لبابي، لا يستخدم فقط للحد من الأفعال الجسدية، ولكن أيضًا لخلق القهر النفسي للفلسطينيين.
p
- دور الجهات الفاعلة الدولية والسلام العملية
يتناول بابي بشكل نقدي دور الجهات الفاعلة الدولية، لا سيما في عملية السلام التي بدأت في التسعينيات. وهو يعتقد أن اتفاقيات أوسلو وجهود السلام اللاحقة كانت تهدف إلى إضفاء الطابع الرسمي على نموذج السجن المفتوح للاحتلال أكثر من إنشاء دولة فلسطينية حقيقية. ومن خلال عملية أوسلو، اتخذت إسرائيل صورة تسعى إلى تحقيق السلام، مع الاستمرار في تطوير المستوطنات والحفاظ على السيطرة على المناطق. وبحسب بابي، فقد تم استخدام رواية “حل الدولتين” كأداة لمواصلة الاحتلال أكثر من كونها وسيلة حقيقية لحل الصراع.
- الخلاصة: البنية الاستعمارية للاستيطان
يصف باب، في خاتمته، الاحتلال في سياق الاستعمار الاستيطاني. ويفسر هذا النموذج الجهود المستمرة التي تبذلها إسرائيل للسيطرة على البنية الديمغرافية والسياسية للمنطقة وإعادة هيكلتها. وبحسب بوب، فإن الاحتلال ليس إجراءً مؤقتًا أو رد فعل، بل هو هيكل دائم مصمم للمطالبة بالأراضي والسيطرة على الأراضي والموارد الفلسطينية. وتأتي هذه السيطرة مصحوبة بتكاليف بشرية باهظة، بما في ذلك الحرمان الاقتصادي والتدهور الاجتماعي والعنف المستمر.
أ) العواقب طويلة المدى
وفقًا لـ Pape، من المرجح أن يستمر هيكل التحكم هذا كما هو مطلوب فطالما ظلت السياسات الإسرائيلية على ضرورة الهيمنة على المنطقة دون اندماج كامل أو طرد وستستمر قيادة الشعب الفلسطيني. ويخلص إلى أن الاحتلال يمثل تحديًا أيديولوجيًا وهيكليًا للسلام ويخلق عقبات أمام أي حل دائم.
ملخص مناقشة
1. الاحتلال متجذر في الأيديولوجية الصهيونية والأهداف الإستراتيجية طويلة المدى، ويعتبر السيطرة على الأراضي الفلسطينية ضرورية لتحقيق رؤية الدولة اليهودية.
2. تم إنشاء نظام من القيود القانونية والبيروقراطية التي تقيد حريات الفلسطينيين وتتحكم في حركتهم ومواردهم.
3. استخدمت إسرائيل نماذج مختلفة من السيطرة وشددت القيود خلال فترات المقاومة.
4. يعد التبعية الاقتصادية والآثار النفسية عناصر أساسية لفهم آثار الاحتلال على المجتمع الفلسطيني بشكل كامل.
5. لقد عززت عملية السلام، وخاصة اتفاقيات أوسلو، هياكل الاحتلال وأبقت الفلسطينيين في حالة حبس، ولم تقدم طريقًا إلى السيادة الحقيقية.
كتاب “أكبر سجن في العالم” الأرض” كتابات البابا تتحدى القراء التشكيك في الروايات السائدة حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ومن خلال تصوير الاحتلال على أنه “سجن كبير”، يدعونا البابا إلى النظر إلى الاحتلال ليس كإجراء أمني مؤقت، بل كجهد منهجي وأيديولوجي لإعادة بناء المنطقة بما يتماشى مع الأهداف طويلة المدى. يقدم هذا الكتاب منظورًا نقديًا لواحد من أطول الصراعات المستمرة في العالم ويؤكد على التكاليف البشرية للاحتلال والعقبات الهيكلية التي تحول دون تحقيق السلام الدائم.
نهاية message/
© | وقد قام مركز ويبانغاه الإخباري بترجمة هذا الخبر من مصدر وكالة تسنیم للأنباء |