إصدار القرارات وتمهيد العدوان… الدور الخفي للوكالة الدولية في سلسلة إشعال الحروب
وكالة مهر للأنباء، قسم الأخبار الدولية: في السنوات الأخيرة، تحولت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بدلاً من أداء دورها المحايد والفني إلى أداة سياسية للضغط على إيران. التقارير التي تستخدم لغة إنذارية وغامضة وتفتقر إلى الدقة العلمية لم تكن فقط غير فعالة في تخفيف التوترات، بل وفرت مرارًا أساسًا لتمرير قرارات أحادية الجانب، واستثارة الرأي العام العالمي، وحتى تبرير الإجراءات العسكرية المباشرة ضد البنية التحتية النووية الإيرانية.
في أحدث مثال على هذا المسار الخطير، صدر تقرير الوكالة في يونيو حول انخفاض مستوى تعاون إيران بالتزامن مع هجمات الكيان الصهيوني والولايات المتحدة على المنشآت النووية في نطنز وفوردو وأصفهان.
رداً على هذه التطورات، وصف وزير الخارجية الإيراني “سيد عباس عراقجي” في منشور عبر شبكة ”إكس” (تويتر سابق) يوم الجمعة الموافق 26 يونيو، قرار مجلس الشورى الإسلامي بوقف التعاون مع الوكالة بأنه “نتيجة مباشرة للدور المؤسف لرافائيل غروسي”. وأكد قائلاً: “إن التحرك المتحيز للسيد غروسي مهّد الطريق مباشرة لتمرير قرار بدوافع سياسية ضد إيران في مجلس المحافظين، كما سهّل الهجمات غير القانونية التي شنها الكيان الصهيوني والولايات المتحدة على المنشآت النووية الإيرانية.”
الوكالة: مهمة التحقق أم شريك للمحاربين؟
وفقاً لنظامها الأساسي، فإن الوكالة الدولية للطاقة الذرية هي هيئة فنية محايدة مكلفة بمراقبة الأنشطة النووية للدول الأعضاء وإبلاغ نتائجها في إطار التحقق العلمي فقط. لكن في السنوات الأخيرة، تجاوز أداء الوكالة – خاصة تجاه إيران – مرحلة الرصد الفني ليتحول إلى أداة للضغط السياسي.
أصبحت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أداةً أمنية. هذا التحول في الدور لم يزعزع ثقة الحكومات في حياد الوكالة فحسب، بل حولها عملياً إلى حلقة رئيسية في سلسلة هندسة الأزمات ضد إيران.
ومن بين مؤشرات هذا التغيير في النهج، التقارير الغامضة والمثيرة للقلق والتي تفتقر إلى وثائق فنية دقيقة، والتي يتم نشرها في لحظات سياسية حرجة. على سبيل المثال، تقارير عن “جزيئات يورانيوم غير مُعلنة” أو “زيادة مستويات التخصيب” غالباً ما تُنشر دون معلومات كاملة أو في أجواء مشبعة بتفسيرات ذاتية؛ تقارير وإن لم تكن ملزمة قانونياً، إلا أن تأثيرها قوي على الرأي العام ووسائل الإعلام ومجلس المحافظين. هذه التقارير نفسها هي التي تمهد لاحقاً لاعتماد قرارات سياسية وعقوبات جديدة، بل وتُعتبر غطاءً يمنح الشرعية لعمل عسكري.
في بعض الحالات، حتى قبل النشر الرسمي لتقارير الوكالة…
الجهات الصهيونية أو الغربية التي نشرت هذا المحتوى لم تطرح فقط قضايا تتعلق بحرمانية واستقلالية وكالة الأنباء الإيرانية تحت السؤال، بل أظهرت أيضاً ارتباطاً مباشراً وتنسيقاً بين نشر التقارير والعمليات العدائية ضد إيران. في ظل ظروف كان الكثير من المكتشفات فيها بحاجة فقط إلى مراجعة فنية مشتركة، فإن تفضيل الوكالة على نشر عام بدلاً من مذكرات تقنية يعزز هذه الفرضية بأن الهدف من التقارير هو أكثر سياسةً لتوجيه الموضوع بعيداً عن التحقيق العلمي.
من جانب آخر، فإن عدم تناسق الوكالة تجاه الإجراءات التخريبية والإرهابية والعسكرية ضد مؤسسات إيران يعد أحد أبرز نقاط الضعف في أداء هذه الجهة. ليس هناك أي رد فعل جدي تجاه الهجمات المادية أو الإرهاب ضد الأكاديميين أو العمليات السيبرانية مثل ”ستاكسنت”، بل حتى في التقارير نفسها لم يتم الإشارة إلى مثل هذه التهديدات بشكل واضح. مثل هذا الصمت يعكس عملياً وجهة نظر الرأي العام والجهات المستقلة بنوع من التواطؤ.
الخليج الفارسي: حملات التعبير غير المشروعة التي تشنها إسرائيل ضد إيران تحمل عوامل مثيرة للقلق.
في النهاية، ما يظهر اليوم من تصريحات الكيان الصهيوني يحمل فجوات واضحة مع مهمته الأصلية والعلمية. هذه الإشارة التي يجب أن تتم بأدوات فنية للحفاظ على السلام، تتحول في حالات كثيرة إلى مسرع لتصعيد التوتر والصراع. إذا لم يتم هذا الإصلاح ولم تخضع الهياكل السياسية للكيان الصهيوني لإعادة نظر جادة، فلن تضعف فقط ثقة الدول بالتعاون الفني بل قد تقع أنظمة عدم الاستقرار في دوامة من التردد.
تقارير فنية أو نسخ حربية تكشف دور الكيان الصهيوني في الهجمات على إيران
أحد أكثر المسارات المتكررة تنظيماً في السنوات الأخيرة ضد إيران هو سلسلة من الحملات التي تبدأ بتقرير مثير ثم تنتهي بهجوم عسكري. في هذه الخطة، يبدأ الكيان الصهيوني أولاً بحملة دولية للطاقة الذرية بنشر تقرير تحذيري لكنه يفتقر إلى الدقة الفنية أو الأدلة الكافية، مما يخلق غموضاً حول…
تقارير تخلق أجواء معادية للبرنامج النووي الإيراني. غالبًا ما تُكتب هذه التقارير بلغة تحمل تهديدات وتفسيرات قابلة للتأويل، ثم يتم نشرها بسرعة في وسائل الإعلام الغربية الرئيسية.
في المرحلة التالية، تستند هذه الوسائل إلى تلك التقارير لتحريض الرأي العام العالمي ضد إيران. تعتمد التحليلات بشكل رئيسي على تخمينات أمنية بدلًا من فحص قانوني أو تقني، مما يؤدي إلى خلق جو نفسي متوتر يضغط على صانعي القرار السياسي لاتخاذ ردود فعل قاسية. غالبًا ما تتجلى هذه الردود في شكل قرارات سياسية من مجلس محافظي الوكالة أو عقوبات دولية جديدة؛ قرارات تتحول خلال فترة وجيزة إلى أساس لإجراءات أكثر صرامة مثل التهديد العسكري أو الهجمات المستهدفة.هذه الدورة نفسها ظهرت بوضوح أثناء تشكل الحرب العدوانية التي استمرت 12 يومًا (في أواخر يونيو وأوائل يوليو). في يونيو…أفادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تقرير لها بأن “إيران خفضت تعاونها مع عمليات التفتيش إلى الحد الأدنى”، وهي مزاعم طرحت دون فحص دقيق للأسباب الفنية والقانونية لقرار إيران، وتجاهلت الخلفيات السابقة، ملقية باللوم على إيران وحدها في المأزق الحالي.
وبعد ثلاثة أيام من نشر هذا التقرير، بدأت الهجمات المنسقة من قبل الكيان الصهيوني والولايات المتحدة على المنشآت النووية الحساسة في نطنز وفردو وأصفهان. وقد استشهد مسؤولون من النظامين صراحة بالتقرير ذاته كسند استشهادي لتبرير هجماتهم.
النقطة الجديرة بالملاحظة هنا هي الفارق الزمني القصير بين نشر التقرير وبدء العمليات النفسية والعسكرية. هذه السرعة في رد الفعل تكشف أن تقارير الوكالة تعمل في كثير من الأحيان ليس كأداة إنذار لتخفيف التوتر، بل كمحفز أمني مخطط له مسبقاً. وبعبارة أخرى، فإن التقارير التي يفترض أن تكون محايدة تتحول إلى محفز لسلسلة من العقوبات والتهديدات والاعتداءات.
هذه الخطة لا تثير الشكوك حول الجانب الفني لبرنامج آژانس فحسب، بل تضع أيضاً مكانة الوكالة في ضمان السلام الدولي موضع تساؤل. عندما تصبح التقارير السياسية، بدلاً من كشف الحقائق، بوابة للدخول في حرب، يجب أن نسأل ما إذا كان الدور الحقيقي لهذه الوكالة هو التهدئة أم تسهيل الحرب؟ تجربة عام 2014 تعطي إجابة واضحة على هذا السؤال – إجابة مليئة بالغموض، وليس بالدبلوماسية.
التضحيات التاريخية التي قدمتها تقارير آژانس المتحيزة
إيران ليست الضحية الوحيدة أو الأحدث للتقارير المتحيزة والانحياز الأحادي لآژانس في مجال الطاقة النووية الدولي. هناك العديد من الأمثلة التاريخية التي تُظهر كيف استُخدمت تقارير الوكالة كأداة للاستفادة من معلومات آژانس أو جهات مشابهة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، في تأجيج الصراعات وإشعال الحروب والعدوان:
1. العراق (2003): استخدام مزاعم أسلحة الدمار الشامل
سياسي من معلومات ناقصة
كانت إحدى أبرز وأكثر الحوادث إثارة، عملية تسليح الجيش العراقي. رغم أن جميع الوكالات ادعت بشكل مباشر وجود برنامج نووي عسكري في العراق، إلا أن التفسير كان ناقصًا ومبالغًا فيه ومتحيزًا وفقًا لتقارير الوكالات الأمريكية والبريطانية، مما مهد الطريق للهجوم العسكري على العراق.
في الواقع، خلال عامي 2002 و2003، حذر “محمد البرادعي”، المدير العام لوكالة الطاقة الذرية آنذاك، من أن هذه الوكالة “ليس لديها دليل موثوق على محاولة العراق إحياء برنامج نووي”. لكن إدارة بوش ووسائل الإعلام الموالية لها تجاهلت هذا الموقف رسميًا، ونشرت تقارير مبالغ فيها ومثيرة للقلق عن “احتمال خطير” لبرامج التسلح السري في العراق - وهو موضوع أدى إلى تجاوزات وعمليات قتل آلاف الأشخاص وفقدان أكثر من عقدين من الاستقرار الإقليمي.
2. ليبيا (2011): الاعتماد على التحالف وتحول إلى نقطة ضعف استراتيجية
ليبيا بعد عام 2003 مع دوافع…
إيران تمنح برنامجها النووي العسكري إمكانية الوصول الكامل، لكن في عام 2011 وفي خضم التوترات الداخلية، تحولت هذه التعاونيات السابقة إلى أهداف لتحليل ضعف الهيكل الدفاعي الليبي من قبل الغرب. وبوجود تعاون كامل بين ليبيا وإيران، قام حلف الناتو دون عوائق سياسية كبيرة بشن هجوم جوي مباشر على ليبيا.يشير العديد من المحللين إلى أن تجربة ليبيا المؤلمة من الاعتماد والتعاون مع الغرب أصبحت جرس إنذار للعديد من الدول الأخرى حول العالم.
- كوريا الشمالية: تجربة معاكسة للتعاون مع إيران
كوريا الشمالية في تسعينيات القرن الماضي وقعت اتفاقًا نوويًا مع الولايات المتحدة (Agreed Framework) وسمحت لمفتشي إيران بدخول البلاد، لكن بعد ذلك عندما تصاعدت تقارير إيران والخلافات السياسية مع الولايات المتحدة، تحول مسار التعاون في الإعلام إلى ما يُفسر على أنه “خيانة كوريا الشمالية”. وفي عام 2002، خرجت بيونغ يانغ من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT) وأخرجت المفتشين.
تشير التقارير إلى أن جزءًا من قرار كوريا الشمالية بالانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT) يعود إلى الاستخدام السياسي لتقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية والتحليل المتحيز غير البناء الذي خلقتْه هذه التقارير على الساحة الدولية. في النهاية، صنعت كوريا الشمالية القنبلة النووية؛ وهو مسار كان يمكن تجنبه ربما عبر الحفاظ على حيادية المؤسسات الدولية، وخاصة الوكالة.