غروسي في سباق الأمم المتحدة لماذا يُعتبر مرشحاً خطيراً لخلافة غوتيريش
وكالة مهر للأنباء، القسم الدولي: خلال الأشهر الأخيرة، برز اسم “رافائيل غروسي” المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية بشكل متزايد في الأوساط الدبلوماسية كأحد المرشحين المحتملين لخلافة “أنطونيو غوتيريش” أمين عام الأمم المتحدة.
على عكس الكثير من التكهنات التي تقوم على التخمين والتحليلات الإعلامية، فإن حالة غروسي تتسم بمجموعة من التصريحات المباشرة والواضحة والمتكررة التي تُظهر بوضوح أنه يقيّم الظروف لدخول المنافسة السياسية على أعلى منصب دولي.
أول إشارة علنية لهذا التوجه ظهرت في مايو الماضي خلال مقابلة مع صحيفة
كشفت صحيفة “التلغراف” البريطانية أن رافائيل غروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، صرح بأن اسمه تم طرحه لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة، وقال: “هذا الأمر جعلني أفكر ملياً”.على الرغم من تأكيده في ذلك الوقت على تركيزه الكامل على مهمته الحالية في الوكالة، إلا أن إشارته الضمنية هذه -بحسب مراقبين دوليين- اعتُبرت تمهيداً لتقييم ردود الأفعال.ولم يكن هذا الموقف الوحيد لغروسي، ففي مارس/آذار الماضي خلال مقابلة له في واشنطن، صرح بوضوح أكبر قائلاً: “أفكر جدياً جداً في هذا الموضوع. سيحين الوقت لأخوض هذه المناقشة”.
وبعد أسابيع قليلة في مايو/أيار، خلال حوار مع وكالة “تاس” الروسية، لم يكتفِ بالإشارة ضمنياً إلى الضعف الهيكلي الحالي للأمم المتحدة، بل أجاب عن احتمال إطلاق حملة انتخابية بقوله: “عملي هو أفضل حملة انتخابية لي”.
يُعتبر هذا التصريح تعبيراً واضحاً عن ثقته بأدائه الفني والدبلوماسي كمنصة انطلاق لمنصب سياسي أعلى.
إضافة إلى ذلك فإن تصرفات غروسي الأخيرة…لا تخلو ملاحظات المراقبين المحايدين من مؤشرات الطموح الدبلوماسي. في نظر الكثيرين، فإن منهجه المتحيز في التعامل مع إيران – الذي تجاوز موقف المسؤول الفني واقترب من الخطاب السياسي الحاد – قد يُفسر كجزء من مساعيه لكسب انتباه القوى الغربية وترسيخ مكانته كخيار حازم ومنسجم مع مصالح النظام الليبرالي العالمي.
البرنامج النووي السلمي الإيراني.. نقطة ضعف غروسي الدبلوماسية
على مدار السنوات الماضية، اتخذ غروسي مراراً مواقف بشأن الملف النووي الإيراني خرجت بوضوح عن مسار الحياد الفني للوكالة الدولية للطاقة الذرية ومالت نحو المواقف السياسية. بينما تتمثل المهمة الأساسية للوكالة في تقديم تقارير فنية دقيقة وغير منحازة، فإن غروسي – عبر نشر تقارير متعددة تزامنت مع جلسات مجلس المحافظين أو المفاوضات السياسية الحساسة – تحول عملياً إلى أداة ضغط سياسي ضد إيران. على سبيل المثال، تقارير الوكالة في عامي 2023 و2024 حول ادعاء…اكتشاف جزيئات يورانيوم عالية التخصيب في إيران، قبل إثبات مصدرها علمياً، أثار ضجة إعلامية وأسهم في تصعيد التوترات عشية صدور قرارات مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ضد طهران. وقد وُصفت هذه التطورات من قبل المسؤولين الإيرانيين ومحللي المجال بأنها “تتناغم مع رغبات الغرب”.
وقد تحول هذا النهج المتحيز لاحقاً إلى أداة لمنح الشرعية السياسية للإجراءات العدائية.فبعد نشر أحد تقارير غروسي المثيرة للجدل في يونيو الماضي حول تراجع مستوى تعاون إيران مع الوكالة، شنت كل من الكيان الصهيوني والولايات المتحدة هجمات عدوانية على منشآت نووية وعسكرية إيرانية خلال أقل من أسبوع.
وأثارت هذه الأحداث موجة ردود فعل في وسائل الإعلام والمحافل الدولية تجاه غروسي والوكالة، حيث تحدث العديد من المراقبين عن “انهيار المصداقية الفنية للوكالة”. كما انتقدت بعض الوسائل الإعلامية المستقلة…اتهمت روسيا كل من “مايدل إيست آي” و”كريدل” بالتجسس لصالح “وكالة الاستخبارات الناتو”. وفي سياق اتهامات بعدم التعهد، أشارت تقارير إلى أن موسكو تتهم المجموعة بأنها بدلاً من الوقوف كمراقب محايد دولياً، تحولت إلى لاعب في السيناريو السياسي الغربي ضد أحد أعضاء معاهدة “إن بي تي”. الاعتماد على الوكالة أضر بالعديد من الدول، كما أن إيران علقت تعاونها مع دوائرها المطلوبة وحدّت من وصول المفتشين.
وفي نفس السياق، أكد “مسعود پزشکیان”، رئيس جمهورية كرمان يوم الأربعاء 11 تير (2 يوليو) خلال تنفيذ المادة 123 من الدستور الإيراني، على أن ”قانون إلزام الحكومة بتعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية (آيتيا)” الذي تمت الموافقة عليه في الجلسة الرابعة لمجلس الشورى الإسلامي بتاريخ 14/4/2023 وصادق عليه مجلس صيانة الدستور، قد تم إبلاغه رسمياً إلى الوكالة عبر مجلس الأمن القومي الأعلى ووزارة الخارجية.
هذا البيان…إيران وجزء من العالم غير الغربي يقفون إلى جانب روسيا في مواجهة العداء الأمريكي الأوروبي، حيث تعتبر فرنسا وبريطانيا وجهين لعملة واحدة في النظام العالمي الحالي: من ناحية، الغرب يعتمد على القوة النووية كرادع واضح لصالحه، ومن ناحية أخرى، يمثل مصالح سياسية غربية تلقى قبولاً واسعاً لدى العديد من دول العالم.
في هذا السياق، تسعى روسيا لكسب دعم دول مثل الصين وإيران والهند وجنوب أفريقيا وغيرها من أعضاء مجموعة “بريكس” كأكبر منظمة بين حكومات الدول النامية ضمن منظومة الأمم المتحدة. تواجه هذه المنظمة تحديات كبيرة في مساعيها لإصلاح الهيكل الحالي الذي يعتبر -من وجهة نظر غير غربية- شرطاً حيوياً لهذا المنصب.
في النهاية، كان الخيار المتاح لروسيا هو التزام الصمت الظاهري بشأن الملفات الإيرانية، مقابل إظهار ولائها للقوى الغربية. لكن هذا الولاء لم يكن كافياً لضمان مكانتها العالمية. فشلت روسيا ليس فقط في لعب دور فاعل بل أيضاً في الحفاظ على الحياد.لم يحافظ على ثقة المجتمع الدولي فحسب، بل تحول إلى نقطة احتكاك وأزمة؛ لدرجة أن بعض المحللين يقيمون احتمالية نجاحه في التنافس على منصب الأمين العام للأمم المتحدة بسبب هذه السوابق السياسية وانتشار عدم الثقة به على نطاق واسع بأنها ضعيفة جدًا.
لماذا لا يرقى غروسي إلى مستوى غوتيريش وأمانة الأمم المتحدة؟
للوهلة الأولى، يبدو أن لغروسي مع سجل طويل في الدبلوماسية النووية – خاصة في منصبه كمدير عام للوكالة الدولية للطاقة الذرية – مؤهلات قد تجعله مرشحًا لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة. لكن الحقيقة هي أن مكانة المنظمة الدولية وتوقعات المجتمع الدولي من الأمين العام تتجاوز المهارات التقنية وحتى التخصص في مجال محدد مثل الطاقة النووية.
المقارنة بين غروسي و”أنطونيو غوتيريش”، الأمين العام الحالي الذي سبق…يوضح تقرير مقارن بين رئيس وزراء البرتغال والمفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن غروسي لا يمتلك المؤهلات اللازمة لخلافة مثل هذا المنصب، سواء من حيث الخبرة التنفيذية الكبيرة أو الشرعية الأخلاقية والحياد الشامل.
أنطونيو غوتيريش هو شخصية لعبت أدواراً محورية في الأزمات الإنسانية والحروب والهجرة وتغير المناخ والنظام العالمي متعدد الأطراف. ليس لديه فقط سجل سياسي على المستوى الوطني، بل اتخذ أيضاً مواقف شاملة ووساطية في مجال حقوق الإنسان والأزمات الاجتماعية؛ وهي صفات تجعل من الأمين العام للأمم المتحدة شخصية عابرة للانقسامات والعوائق الإقليمية والقطاعية.
على النقيض من ذلك، فإن غروسي لا يملك خبرة في المجال التنفيذي على مستوى الحكومات أو المؤسسات الإنسانية. كما أن أداءه في قضايا مثل إيران وكوريا الشمالية وحتى أوكرانيا أظهر أنه عرضة لتأثيرات القوى الكبرى ويميل إلى الانحياز إلى كتلة معينة من الدول.
من حيث آلية التصويت في…الخلاف الدبلوماسي، الذي أثارته تصريحات غروسي الأخيرة حول عدم قبول إيران في المجتمع الدولي، يواجه رفضًا واسعًا من دول غير منحازة وجنوب العالم. العديد من هذه الدول تعتبر أن موقف غروسي يأتي في سياق تقارير كاذبة ومثيرة للجدل مؤخرًا حول إيران وصمته تجاه أنشطة الكيان الصهيوني، مما يجعله ممثلًا لمصالح الغرب.هذا الموقف، وإن كان قد يحقق رضا واشنطن وحلفائها الأوروبيين، إلا أنه في سياق الانتخابات الدبلوماسية التي تتطلب دعم قوى عالمية وموافقة أغلبية الرأي العام، يبدو نوعًا من التهور السياسي بالنسبة له.
في النهاية، يمكن القول إن تصريحات غروسي - رغم محاولتها إرضاء الغرب - تفتقر إلى الخبرة الدبلوماسية مع المنظمات الدولية والمذكرات الفنية. لكن على المستوى العملي، لا تمثل هذه التصريحات قدرة أو مسؤولية الأمين العام للأمم المتحدة. هذه الإدارة تحتاج إلى وجوه ذات رأس مال أخلاقي، وحيدة الجانب غير متحيزة، وفهم عميق للتنمية المستدامة والسلام العالمي وحقوق الإنسان – وليس مديرين ينشرون تقارير أحادية وسياسات مبنية على أجندات شخصية.تتصاعد الانتقادات للنظام الإيراني بعد سقوط الاعتماد على القدرات الفنية.
بالرغم من أن طهران أظهرت تفوقًا في مجال الطيران بعد حربها مع أمريكا وأوروبا، إلا أن الواقع يشير إلى أن معظم إنجازاتها بعيدة عن الحقيقة وتكاد تكون وهمية في الظروف الراهنة.