وكالة التعاون الألماني “GIZ” أداة مساعدة أم ذراع للنفوذ الناعم لألمانيا
وكالة مهر للأنباء، قسم الأخبار الدولية: تُعد الوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ) الذراع التنموي لألمانيا، حيث تنفذ مشاريع للتنمية المستدامة في أكثر من 120 دولة. إلا أن هذه الإجراءات لا تبدو مجرد تعاون فني، بل أداة للنفوذ الناعم الألماني بحسب منتقدين. يعتقد هؤلاء أن القرارات المركزية في برلين وترويج قيم غربية حولت GIZ إلى قناة لتعزيز المصالح الجيوسياسية والاقتصادية لألمانيا.
مقدمة
تُعد الجمعية الألمانية للتعاون الدولي (GIZ) الذراع الرئيسي لتنفيذ سياسات التنمية الحكومية الألمانية في دول الجنوب.</pالوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ) هي مؤسسة عالمية تعمل في أكثر من 120 دولة، وتُعد المسؤولة عن تنفيذ الجزء الأكبر من التعاون التقني لألمانيا، كما تلعب دورًا محوريًا في تخطيط وتنفيذ مشاريع التنمية بدءًا من التدريب المهني وصولاً إلى مساعدة الحكومات في إدارة الأزمات.
ترتبط GIZ بوزارة التعاون الاقتصادي والتنمية الفيدرالية الألمانية (BMZ)، وغالبًا ما تعمل بالتنسيق مع مؤسسات مثل بنك التنمية KfW. وفقًا للإعلانات الرسمية، فإن هدف المنظمة هو «تعزيز القدرات، وتحقيق التنمية المستدامة، وتحسين الحوكمة» في الدول الشريكة.
في عام 2023، نجحت الوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ) في جذب ما يقارب 4 مليارات يورو من الموارد المالية.جاء الجزء الأكبر من هذه الموارد، أي ما يعادل 3.7 مليار يورو، عبر طلبات الوزارات الفيدرالية الألمانية ومؤسسات حكومية أخرى في البلاد. بالإضافة إلى ذلكتم تخصيص 247 مليون يورو من قبل المنظمات الدولية، بما في ذلك الدول الصناعية وأسواق الناشئة والدول قيد التطوير، للسفارات والتأمين المالي. تعمل GIZ بالتعاون الوثيق مع بنك التنمية الألماني الحكومي (KfW)، حيث تركز GIZ على مشاريع “التعاون الفني” (تنمية القدرات) من جانب الوزارة الاتحادية للتعاون الاقتصادي والتنمية الألمانية (BMZ)، بينما تتحمل KfW مسؤولية مشاريع “التعاون المالي” التابعة لـ BMZ.
المزودون الرئيسيون ومصادر التمويل المتنوعة:
تعد الوزارة الاتحادية للتعاون الاقتصادي والتنمية الألمانية (BMZ) أكبر مزود للموارد المالية لـ GIZ، حيث خصصت حوالي 3.3 مليار يورو من إجمالي التمويل لهذه المنظمة في عام 2023. بالإضافة إلى ذلك، تم الحصول على 420 مليون يورو أخرى من سفارات الجهات الحكومية الألمانية الأخرى، بما في ذلك الوزارة الاتحادية للبيئة ووزارة الخارجية الاتحادية. تعمل GIZ أيضًا على مستوى الولايات الألمانية.
التعاون الدولي والقطاع الخاص:
النشاط المستمرمنظمة GIZ هي وكالة تنموية ألمانية. تعمل هذه المنظمة نيابة عن مؤسسات دولية مثل الاتحاد الأوروبي ومنظمات الأمم المتحدة المختلفة أيضًا. حتى الحكومات الوطنية من جميع أنحاء العالم تطلب خدمات GIZ مباشرةً. كمثال، في عام 2011، مثلت GIX كوستاريكا في إعادة تأهيل البنية التحتية للطرق المتضررة بسبب الزلازل.الشركات الخاصة والمؤسسات هي أيضًا من بين العملاء الذين يستفيدون من خدمات GIZ.
الجانب الرسمي: التعاون الفني أو الشراكة المتساوية
وفقًا لتقرير OECD، تقوم ألمانيا عبر GIX ومنظمات التنمية الأخرى بتنفيذ مشاريع في مجالات التعليم، والصحة، والزراعة، وتغير المناخ، والتحول الرقمي في دول أفريقيا وغرب آسيا وجنوب شرق آسيا.
هذه الأنشطة تبدو ظاهريًا أنها تهدف إلى تحقيق تنمية مستدامة، لكن السؤال المهم هو ما إذا كانت تصميم وتنفيذ هذه البرامج يقوم على أساس…
خلف الكواليس: التنمية لصالح من؟
وفقًا لتقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، فإن قرارات تحديد نوع المشاريع وميزانياتها تتخذ أساسًا في برلين من قبل الوزارة الاتحادية للتعاون الاقتصادي والتنمية (BMZ)، بينما يكون للجهات المحلية، وحتى الموظفين الوطنيين، دور محدود في هذه العملية. [١] أدى هذا المركزية إلى عدم توافق العديد من المشاريع مع أولويات السياقات الثقافية والدينية للدول المضيفة.
هذه الفجوة بين مركز صنع القرار ومواقع تنفيذ المشاريع فتحت الباب أمام تفسيرات نقدية.ومن منظور نظرية القوة الناعمة (Soft Power) كما صاغها جوزيف ناي، فإن أدوات مثل المساعدات الإنمائية والتعليم والثقافة والإعلام متاحة للدول لتحقيق أهدافها دون استخدام القوة العسكرية، بل “بجعل الآخرين يريدون ما نريده نحن”.
بهذا المنظور، فإن وكالة التعاون الدولي الألمانية (GIZ) ليست مجرد هيئة تنموية، بل قناة “للتأثير الناعم” لألمانيا في هيكل الحكومات…
الهندسة الثقافية: قيمة أم ترويج؟
تتبع الوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ) في العديد من برامجها، مثل التعليم الجنساني والبيئة أو الحوكمة، مفاهيمَ تنبع من التجربة الغربية في التنمية والحداثة. بينما تتنوع الخلفيات الثقافية والدينية والاجتماعية في الدول المضيفة، وقد تتعارض أحيانًا مع هذه المفاهيم.
يمكن تحليل هذا الوضع أيضًا من منظور النقد ما بعد البنيوي. خاصة أن آرتور إسكوبار يحلل في عمله الشهير التنمية باعتبارها ”سردًا غربيًا لتنظيم عالم الجنوب”. فهو يرى أن التنمية ليست عملية محايدة، بل “وسيلة لإعادة تعريف المجتمعات غير الغربية وفقًا لتخيلات واحتياجات الغرب”. وبالنظر إلى هذا التحليل، يمكن القول إن مشاريع GIZ تلعب أحيانًا دور “إعادة التشكيل الثقافي والمؤسسي”، وليس مجرد دعم تقني.
الاقتصاد وتسويق السوق ومصالح ألمانيا
توفر مشاريع التعاون الفني لـ GIZ، خاصة في مجال التعليم التقني والبنية التحتية والإصلاحات الاقتصادية، فرصًا للشركات الألمانية في كثير من الأحيان. وفقًا لتقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، فإن العديد من هذه البرامج تُصمم بالتعاون مع المؤسسات الاقتصادية والتجارية الألمانية، وهذا التداخل بين التنمية والتجارة يزيد من احتمالية استخدام المساعدات الإنمائية كأداة لفتح أسواق جديدة.
المنافسة العالمية والتوجه السياسي للمشاريع
تعمل GIZ في دول مثل مالي والنيجر وأفغانستان وأوكرانيا وإثيوبيا؛ وهي دول تحتل أولوية جيوسياسية للقوى الكبرى أيضًا.في مثل هذه السياقات، تدخل المشاريع التنموية حتمًا في صراع القوى، وتجد مؤسسات مثل GIZ نفسها في موقف تضطر فيه - سواء عن قصد أو دون قصد – إلى “إعادة تشكيل النظام السياسي والمؤسسي للدول المضيفة”.
الخلاصة: تنمية أم هيمنة ناعمة؟