موج الإقالات في البنتاغون بعد تصاعد التحديات الأميركية جراء الاعتداء على إيران
وكالة مهر للأنباء، المجموعة الدولية: تعيش الولايات المتحدة هذه الأيام أزمة داخلية غير مسبوقة في بنيتها الأمنية والعسكرية. وأحدث علامات هذه الأزمة كانت إقالة ثلاثة مسؤولين كبار في الجيش والاستخبارات الأمريكية بأمر من وزير الدفاع بيت هيغست؛ وهو إجراء يعكس أكثر التوترات السياسية والارتباك داخل البيت الأبيض والبنتاغون بدلاً من كونه دليلاً على إدارة فاعلة.
ترجع الأسباب الرئيسية لهذه الإقالات إلى تقرير لوكالة الاستخبارات الدفاعية الأمريكية (DIA) قدمه الجنرال جيفري كروز، رئيس الوكالة. أكد التقرير أن الهجمات الأخيرة للولايات المتحدة على منشآت إيران النووية لم تحقق الأهداف المرجوة، وأدت فقط إلى تعطيل مؤقت لمسار البرنامج النووي الإيراني. جاء ذلك بينما كان ترامب وهيغست يتحدثان رسمياً عن «القضاء الكامل على القدرات النووية لإيران». هذا التناقض هو ما أدى إلى مواجهة مع كروز وإقالته.
إلى جانبه، تم إعفاء قائدين بارزين في القوات البحرية الأمريكية بدون توضيحات واضحة؛ هما الأميرال نانسي لاكور القائد الاحتياطي للقوات البحرية والأميرال ميلتون جيمي سندز قائد العمليات الخاصة. هذا الصمت الرسمي زاد التكهنات حول وجود تصفية حسابات سياسية داخل البنتاغون.
علامات تعميق الأزمة في الجيش الأمريكي ورسائلها
لا يمكن اعتبار إقالة ثلاثة مسؤولين رفيعي المستوى بشكل متزامن مجرد تغيير إداري عابر. هذه التطورات تشير إلى وجود انقسام بين القادة العسكريين المحترفين والفريق السياسي لترمپ. حينما تتعارض التقارير الميدانية مع الرواية الرسمية للحكومة وينتهي الأمر بإقصاء القادة، فهذا يرسل رسالة واضحة للجيش بأن الاستقلال والحيادية المهنية تُستبدل بالولاء السياسي.
هذا النهج يضع الجيش الأمريكي أمام تحدٍ خطير للغاية. إذ تواجه الولايات المتحدة عدة أزمات عالمية منها المنافسة مع الصين وروسيا، وتدخل الضغوط السياسية على القيادات يمكن أن يقلل دقة القرارات العسكرية ويضعف القدرة الداخلية للجيش ويؤثر سلباً على مصداقيته الدولية باعتباره قوة موحدة ومؤتمنة.
من منظور إيران والفاعلين الإقليميين، تحمل هذه التحولات أهمية كبيرة بشكل غير مباشر. اعتراف وكالة الاستخبارات الدفاعية بتأثير محدود للهجمات يشير إلى قدرة طهران على إعادة بناء منشآتها وتعزيز موقعها ضمن الحسابات الإقليمية وفتح مجال للمناورة أثناء مفاوضاتها المحتملة.
في الوقت نفسه يراقب حلفاء أمريكا خاصةً في أوروبا الوضع بحذر بالغ. فهم يرون بأن واشنطن حتى بشأن قضية حساسة مثل البرنامج النووي الإيراني عاجزة عن تقديم رواية موحدة ومتسقة مما قد يقلل ثقة الشركاء الأميركيين بقيادتها ويمنح الإيرانيين مزيداً من المبادرة والتحرك.
بشكل عام فإن الأزمة الأخيرة بالبنتاغون ليست فقط شأنًا داخليًا بل لها تداعيات دولية هامة تضع مصداقية الجيش الأمريكي تحت السؤال وتعزز مكانة إيران تدريجياً أمام ضغوط واشنطن السياسية والعسكرية.
رأس جبل الجليد للإقالات بالبنتاغون وآفاق غامضة للجيش الأمريكي
إعفاء الجنرال جيفري كروز ليس سوى جزء بسيط من سلسلة أوسع لتغيرات خلال فترة ترامب الثانية . خلال الأشهر الماضية ، قام بيت هيغست بإبعاد عشرات القادة والمسؤولين الكبار . قبل يومين فقط من تلك الإقالات ، أعلن تولسي غابارد مدير الاستخبارات الوطنية نقل تأمين 37 خبيراً استخباراتياً وإلغاء صلاحياتهم الأمنية . بالإضافة لإعلان خفض عدد العاملين بمكتب الاستخبارات بنسبة 40 ٪ قبيل بداية أكتوبر القادم . رغم التبرير الرسمي لهذه الإجراءات بأنها إجراءات تقشف اقتصادي ، إلا أنها حقيقتُها حملة تطهير سياسي واسعة ضمن الأجهزة الأمنية والعسكرية الأميركية .
p>
تصور موجة تلك الإقالات حالة عدم استقرار شديدة داخل أعلى مستويات القيادة الأميركية . ينشغل قادة الجيش اليوم بمخاوفهم حول مكانتهم وحياتهم المهنية وسط القرارات السياسية التي تخص البيت الأبيض ، وهو جو محفوف بالمخاطر قد يؤدي لاتخاذ قرارات متسرعة وتقييمات خاطئة تنعكس سلباً بنتائج إخفاق ملحوظة بإدارة الأزمات العالمية .
p>
كما يُنظر إليها أيضاُ لدى حلفاء واشنطن كعلامة ضعف بزعامة البلاد وسياساتها الخارجية . الدول التي تعتمد عادةً الدعم والسيطرة الأميركية بمنطقة الشرق الأوسط ستعيد حساباتها بالدراسة لما تحويه تلك الاضطرابات الكبيرة مما سيتيح مساحة أكبر لوجود وتأثير اللاعبين المستقلّـن ومن بينهم طهران .
p>
بالنسبة لإيران ، تشير المشهد الحالي لاتساع مجال المناورة لديها كلما غرقت واشنطن أكثر بفوضى وهشاشة قيادتها الداخلية كلما قلت قدرتها الفعلية لشن الضغط عليها أو الحدّ منه سريعاً ؛ فرص تهدف لتعزيز قدراتها الردعية واستكمال مسيرات برامجها الاستراتيجية رغم محاولات الخصوم لكبح خطاها المستقبل. p>
أخيراً سينتهي استمرار التطهير المتواصل بوضع المؤسسة العسكرية الأميركية تحت سلطة العمل السياسي بشكل كامل ما يؤدي لتراجع كبير بمكانته العالمية وتقويض فعاليته العملياتيّة ؛ ووفق ذلك سيشهد ميزان القوى تحويل تدريجي وطويل الأمد لصالح طهران بمنطقة الخليج الفارسي.
p>
خلاصة القول strong> span> p>
“إنّ إعفاء كبار المسؤوليين الثلاثة الأميركيـّن بالتزامُنه مع موجة كبيرة للإبعاد والتنحّي بجهاز الأمن الوطني بواشنطن يؤكد أنّ الهيكل العسكري والأمني بأمريكا تغلغلت فيه أزمة شرعيّة غير مسبوقة فُقد فيها استقلاله المهني وصار مُبتلى بالاصطفاف السياسي.
p>
“هذا المسار لا يُقلّل قدر قوة وحدّة وشمول عمل القوات المسلحة الأميركية فحسب بل يهتز توازنه بالتحالفِ مع شركائها الأوروبيّيّن والإقليمّيّن أيضاً . بلدٌ ظل لسنوات مدَّعِيَا “قيادة العالم الحر” اليوم يسقط نحو صعود العدول والانحدار بمكانته الدولية .
p>
“على الجانب المقابل أعادت الجمهورية الإسلامية الإيرانية برهانَ قوتِها الوطنية وقدرتها العالية والدائمة بتحقيق الردْع والمواجهة الاستراتيجية دون الالتفات للتحديات والحصار الخارجي وضرب الديمقراطية المباشرة للشؤون المتعلقة بها ؛ وقد أكدّت تقارير أميركيّة رسميَّة مرة أخرى عدم نجاح الهجمات ضد المواقع النووية الإيرانية مليءً بكفاءة وقوة القدرات الدفاعيَّـ لهَا.
p>
هل التجارب الجديدة تقول إن الحوكمة الأحادية لأميركا انتهت وبداية فصل جديد تهيمن عليه قوى مستقلة مؤثرة؟ الأيام القادمة تكشف المزيد.