ماكرون يقترح اعتماد وسائل الإعلام وسط مخاوف قانونية

مقال ضيف، أمير حسين مقيمي: طرح إيمانويل ماكرون فكرة إنشاء «شهادة ثقة» للإعلام في فرنسا، والتي تحيط بها مؤسسات إعلامية مثل RSF وJTI بشكل غير مباشر، يبدو للوهلة الأولى محاولة لإعادة بناء الثقة العامة بالأخبار ومواجهة فوضى المعلومات.
مع ذلك، تُظهر ردود فعل النقاد أن هذه الفكرة ليست مجرد آلية تنظيمية حديثة فحسب، بل تخاطر بتأسيس هيكل رسمي لمنح المصداقية؛ هيكل يمكن أن يؤثر على حرية تدفق المعلومات ويدفع المشهد الإعلامي نحو التوحيد والحذر المفرط.
من الطبيعي أن تسعى الحكومات في زمن انتشار المعلومات المغلوطة بسرعة إلى أدوات تميز بين المصادر المهنية والمضللة. ولكن المشكلة تكمن في الطابع المؤسسي العلوي لهذه الخطة.
حتى وإن لم تُسند مسؤولية إصدار الشهادة للحكومة مباشرةً وأُحيلت إلى جهات مثل RSF أو لجان مهنية إعلامية، يبقى السؤال الأساسي: من سيحدد ما إذا كانت وسيلة الإعلام «موثوقة»؟ وما المعايير التي تعتبر صالحة؟ والأهم من ذلك، ما الضمانات لمنع تحول هذا النظام فعليًا إلى أداة لإقصاء الوسائل الإعلامية التي لا تتوافق مع التيار السائد أو الرواية الرسمية؟
يرتكز خطاب النقاد الذين ظهروا في صحف مثل Le Point أو محللين مستقلين على هذا القلق ذاته. فهم يرون أن التصنيف الرسمي للإعلام يمكنه رسم خط فاصلاً جديداً بين وسائل «ناجحة» وأخرى «مرفوضة»، وهذا الأمر لا يظل محدودًا بالأبعاد الرمزية فقط. إذ إن الوسيلة التي لا تحمل الشهادة الرسمية قد تجد صعوبة أكبر في جذب الإعلانات، وقد تقل رؤيتها ضمن خوارزميات المنصات الرقمية، وقد ينخفض موقعها لدى الرأي العام وحتى الجهات الحكومية. وفي هذه الحالة لا يتم قمع حرية الصحافة بشكل مباشر إلا أنه يتشكل نظام غير مباشر يدفع أصواتاً أصغر وأكثر استقلالًا ونقدًا إلى الهامش تدريجياً.
كانت فرنسا تملك سابقًا أدوات قانونية كافية لمكافحة المخالفات الإعلامية؛ يتضمن ذلك قانون حرية الصحافة لعام 1881 وآليات قضائية مرتبطة بالتشهير ونشر معلومات كاذبة أو تهديد النظام العام. ومن هذه الزاوية، فإن إنشاء نظام تصنيف قد لا يكون مكملًا لإطار العمل الحالي بل بداية لنوع من الرقابة اللينة التي تتعارض مع حرية الإعلام. خصوصاً وأن الثقة العامة بالإعلام مسألة معقدة ولا تُبنى بإضافة ختم رسمي فقط؛ فهي عادةً تنجم عن تنوع وجهات النظر والشفافية المالية واستقلال التحرير وجودة العمل المهني وليس عبر الموافقات الإدارية.
وبالتالي يكمن الخطر الرئيسي لهذا المقترح ليس في النوايا الأولى وإنما في آثاره التدريجية المحتملة. كلما زاد عدد الحراس الرسميين لتحديد مصداقيات الوسائل الإعلاميّة قلّت ساحة التواصل العام واتجهت نحو التجانس والأصغر حجماً. وفي النهاية قد يصبح النظام الذي صُمم لمواجهة الفوضى أداة لفرض الصمت أو الحذر المبالغ فيه وسط وسائل إعلام تحرص على الحفاظ على شهادة ثقتها دون فقدانها.
<pلذا اليوم الجدل في فرنسا ليس حول علامة بسيطة فحسب؛ بل حول التوازن بين التنظيم والسيطرة. وربما أهم سؤال يُطرح الآن هو هل الحل لأزمة الثقة هو إضافة طبقة رقابية جديدة أم تعزيز الاستقلال والشمول والتنوع داخل البيئة الإعلاميّة؟
باحث مختص بالقضايا الفرنسية
