لماذا تظل فنزويلا هاجسًا دائمًا للولايات المتحدة الأمريكية

وبحسب المكتب الدولي لوكالة ويبانقاه الإخبارية، فإن المواجهة بين الولايات المتحدة وفنزويلا استمرت على مدى العقدين الماضيين كحرب باردة محدودة لكنها ممتدة. مع عودة دونالد ترامب إلى السلطة، عادت الملفات التي ظن البعض أنها أُهملت في عهد بايدن إلى صدارة أولويات واشنطن. تُعتبر فنزويلا، بوصفها دولة مناهضة للهيمنة وتمتلك ثروات طاقية هائلة ومكانة خاصة في أمريكا اللاتينية، نقطة حساسة في السياسة الخارجية الأمريكية. اتبع ترامب في فترته الأولى سياسة عدائية تجاه كاراكاس، وهو يعيد نفس النهج الآن بوتيرة أكثر حدة.
لا ترى واشنطن في فنزويلا مجرد دولة عادية، بل عقدة جيوسياسية تجمع بين النفط الثقيل والغاز والمناجم الذهبية وموقع استراتيجي، مما يجعلها هاجسًا دائمًا للسياسة الأمريكية. منذ عهد هوغو شافيز حتى اليوم، ظلت كاراكاس مقتنعة بأن الاستقلال السياسي يفقد معناه الحقيقي دون استقلال اقتصادي، وهو ما دفع فنزويلا نحو تأميم الموارد وتقليل الاعتماد على الشركات الغربية.
يُفس ترامب هذا المسار ليس كقرار داخلي، بل كتحدٍ للهيمنة الطاقية الأمريكية في نصف الكرة الغربي، معتبرًا أن النموذج البوليفاري الفنزويلي قد يُلهم دولًا أخرى في أمريكا اللاتينية. في نظره، كاراكاس ليست مجرد حكومة مارقة، بل “رمز” لمقاومة قادرة على تعزيز شبكة من العلاقات المناهضة لأمريكا في المنطقة. لذا، فإن سياسات ترامب ضد فنزويلا لا تقتصر على الجانب الاقتصادي، بل تشمل أيضًا عمليات سياسية–نفسية تهدف إلى تقويض شرعية الحكومة الفنزويلية عبر عقوبات خانقة، إلا أن هذه الضغوط عززت التماسك الداخلي ووسعت علاقات البلاد مع محاور القوى الجديدة مثل الصين وروسيا وإيران.
في فترته الرئاسية الأولى، فرض ترامب أقسى العقوبات على فنزويلا منذ عقود، مستهدفًا بشكل رئيسي صادرات النفط والوصول إلى الأسواق المالية، بل وتوجيه ضربات مباشرة للشركة النفطية الوطنية لإضعاف البنية الاقتصادية. رغم ذلك، رسمت فنزويلا مسارًا جديدًا للإصلاح المالي والتعاون النفطي مع روسيا والصين وإيران، مما أفشل توقعات واشنطن بحدوث احتجاجات شعبية. اليوم، يحاول ترامب إحياء سياسة العقوبات القصوى، لكن في عالم متغير حيث أصبحت فنزويلا جزءًا من شبكة علاقات دولية تزيد من قدرتها على المناورة.
ما يفصل الصراع الأمريكي–الفنزويلي عن كونه نزاعًا اقتصاديًا عاديًا هو طابعه الأيديولوجي. تقوم الثورة البوليفارية، منذ عهد شافيز، على الاستقلال والعدالة الاجتماعية ومقاومة النفوذ الأمريكي، وهو نموذج يجذب دولًا عانت من الهيمنة الأمريكية. يرى ترامب في هذه الأيديولوجيا تهديدًا للنظام الأمريكي، واعتبر فنزويلا “نموذجًا لفشل الاشتراكية”. لكن التعاون الفنزويلي مع إيران وروسيا والصين يثبت أن البلاد خرجت من الإطار الأحادي الأمريكي.
تبنت فنزويلا استراتيجية متعددة المستويات لمواجهة الضغوط الأمريكية، بدءًا بتعزيز الاستقرار الداخلي عبر المشاركة الشعبية، ووصولًا إلى تحالفات مقاومة مع إيران وروسيا، وانتهاءً بالانخراط في مبادرات إقليمية مثل (سيلاك) و(ألبا) لنشر خطاب مناهضة الهيمنة. أصبحت فنزويلا في أعين الكثيرين نموذجًا ناجحًا للمقاومة، وهو ما يتعزز مع تراجع الهيمنة الأمريكية العالمية.
