قناة وكالة ويبنقاه على تلغرام

تسويغ القرصنة البحرية الأمريكية: رد على مركز الدفاع عن الديمقراطيات

تحاول التحليلات الأمريكية تبرير زيادة الضغط البحري على فنزويلا، في إطار سياسة خارجية تعتمد على التدخل ومصادرة ممتلكات الآخرين تحت ذريعة تنفيذ القانون.

وبحسب المكتب الدولي لوكالة ويبانقاه الإخبارية، فإن التحليلات التي تنشرها مراكز الأبحاث والوسائل الإعلامية الأمريكية حول تصعيد الضغط البحري على فنزويلا لا تعكس الحقائق الجيوسياسية بقدر ما تكشف عن عقلية قديمة وخطيرة في السياسة الخارجية الأمريكية. هذه العقلية ترى في التدخل والحصار ومصادرة ممتلكات الآخرين ليس عدواناً، بل “تنفيذاً للقانون”. إن احتجاز ناقلة النفط الفنزويلية “سكيبر” وإعلان الحصار النفطي على كاراكاس يُصوَّر في الرواية الأمريكية كإجراء شرعي لمواجهة نظام مادورو، لكنه في الواقع مثال صارخ على عسكرة العقوبات والعودة إلى منطق الاستعمار البحري في القرن التاسع عشر.

وفي تقرير حديث لمركز الدفاع عن الديمقراطيات، ورد أن “أمريكا تحاصر ناقلات النفط الخاضعة للعقوبات في فنزويلا، وإيران تستحق المعاملة نفسها”. الخطر الرئيسي في هذه الرواية لا يقتصر على فنزويلا، فكتّاب المركز يصرحون صراحةً بأن هذا النموذج يمكن تطبيقه على دول أخرى. بمعنى آخر، ما يحدث اليوم في مياه الكاريبي هو تدريب ميداني لسيناريو قد يُطبَّق غداً في الخليج الفارسي أو بحر عمان.

تحاول الرواية الأمريكية تصوير احتجاز ناقلات النفط ضمن إطار “تنفيذ العقوبات” و”مكافحة التهريب”، لكن هذا الإطار مشكوك في شرعيته من وجهة نظر القانون الدولي. العقوبات الأحادية الأمريكية، حتى لو بدت شرعية من وجهة نظر واشنطن، تفتقر إلى سند قانوني ملزم على المستوى الدولي. لم تصدر أي قرارات عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تمنح أمريكا الحق في احتجاز السفن في المياه الدولية أو الإقليمية التابعة لدول أخرى.

ما تقوم به أمريكا ليس تنفيذاً للقانون، بل فرض الإرادة عبر القوة العسكرية. هناك فرق جوهري بين مكافحة القرصنة البحرية والقرصنة البحرية ذاتها، وعندما تقوم قوة عسكرية بمصادرة ممتلكات دولة مستقلة دون تفويض دولي، فإنها تضع نفسها في موضع القرصان الذي تدعي محاربته.

في الأدبيات الكلاسيكية للعلاقات الدولية، تُعتبر العقوبات أداة اقتصادية ودبلوماسية، لكن ما تفعله أمريكا تجاه فنزويلا هو تحويل العقوبات إلى أداة عسكرية مباشرة. إن نشر حاملات الطائرات والمدمرات ووحدات مشاة البحرية إلى جانب احتجاز ناقلات النفط يوضح أن واشنطن تجاوزت مرحلة الضغط الاقتصادي إلى مرحلة الحصار العسكري غير المعلن.

هذا التوجه له عواقب تتجاوز فنزويلا. إذا تمكنت أي دولة من تعريض طرق الشحن الدولية للخطر استناداً إلى عقوباتها الداخلية، فإن أساس التجارة العالمية سينهار. ستصبح أمنية الطاقة، التي تمثل شريان الاقتصاد العالمي، أداة في أيدي القوى العسكرية، وهو اتجاه سيؤدي إلى عدم الاستقرار ونشوب صراعات واسعة النطاق.

في التحليل الأمريكي، لا تُصوَّر فنزويلا كدولة مستقلة بل كـ”نظام مادورو”، وهي تسمية تهدف إلى نزع الشرعية لتبرير الضغوط والعقوبات وفي النهاية التدخل. هذا النموذج طُبِّق سابقاً في العراق وليبيا وسوريا وحتى إيران.

تعتبر أمريكا نفسها حكماً على شرعية الحكومات، دون الالتفات إلى نتائج الانتخابات أو الهياكل القانونية الداخلية أو مبدأ السيادة الوطنية. في حين أن العديد من حلفاء أمريكا في المنطقة والعالم يفتقرون إلى الحد الأدنى من الديمقراطية، إلا أنهم لا يواجهون مثل هذه الضغوط. معيار الشرعية ليس رأي الشعب، بل درجة الانصياع لواشنطن.

يؤكد التحليل الأمريكي صراحةً أن قطع صادرات النفط يمكن أن يؤدي إلى “انهيار النظام المالي لنظام مادورو”. ما يتم تجاهله عمداً هو حقيقة أن الانهيار الاقتصادي يستهدف في المقام الأول حياة المواطنين العاديين. العقوبات والحصار النفطي لا تضغط على النخب السياسية بل على العمال والمرضى وكبار السن والأطفال.

أظهرت تجارب إيران والعراق وفنزويلا أن الحرب الاقتصادية ليست أداة لتغيير سلوك الحكومات، بل سلاحاً لمعاقبة الشعوب جماعياً. تواصل أمريكا السير في هذا الطريق رغم علمها بهذه العواقب، ثم تُلقي باللوم على “سوء الإدارة الداخلية” في الأزمات الإنسانية الناتجة.

أحد محاور تحليل مركز الدفاع عن الديمقراطيات هو التركيز على “الأسطول الظل”، وهو شبكة من السفن تعمل للتحايل على العقوبات. لكن السؤال الجوهري هو: لو لم تكن هناك عقوبات غير قانونية، هل كان هذا الأسطول سيتشكل؟ الأسطول الظل هو نتاج مباشر للسياسات العقابية الأمريكية. عندما تُغلق طرق التجارة الرسمية، يتجه الاقتصاد العالمي إلى المسارات غير الرسمية. تقوم أمريكا أولاً بسد الطرق القانونية، ثم تقدم النتيجة الحتمية لذلك على أنها “تهديد أمني”. هذه حلقة مفرغة يتم إنتاجها عن عمد.

أخطر جزء في تحليل مركز الدفاع عن الديمقراطيات هو الحديث الصريح عن “الاقتداء بالنموذج في إيران”. هذا الاعتراف يوضح أن هدف واشنطن ليس الضغط على فنزويلا فحسب، بل وضع سابقة للتعامل مع الدول المستقلة.

إذا أصبح احتجاز الناقلة الفنزويلية أمراً عادياً، فسيتم تبرير احتجاز سفن دول أخرى، بما فيها إيران، بنفس المنطق. هذا التهديد يهدد أمن الخليج الفارسي بشدة وقد يدفع العالم إلى شفير صراعات بحرية مباشرة. المسؤولية عن هذا الوضع تقع مباشرة على عاتق صانعي السياسات الذين اختاروا القوة بدلاً من الدبلوماسية.

يفترض التحليل الأمريكي أن الحصار والاحتجاز سيؤديان في النهاية إلى الاستسلام السياسي. هذا الافتراض فشل مراراً في الواقع. لم تؤد العقوبات المشددة على إيران إلى تغيير النظام، ولا الحصار على كوبا، ولا الضغوط القصوى على فنزويلا.

ما تغير ليس سلوك الحكومات، بل مستوى عدم ثقة الشعوب بأمريكا. أدت العقوبات إلى تعزيز الاقتصادات المقاومة، وتوسيع التعاون بين دول الجنوب، وتقليل الاعتماد على النظام المالي الغربي، وهي اتجاهات تضعف موقع أمريكا على المدى الطويل.

خلافاً لما تدعيه التحليلات الأمريكية، فإن التهديد الرئيسي لأمن الطاقة والتجارة العالمية ليس فنزويلا أو إيران أو “الأسطول الظل”، بل السياسة الخارجية الأمريكية العدوانية والأحادية الجانب. إن الحصار البحري واحتجاز السفن وعسكرة العقوبات تدفع العالم نحو مزيد من عدم الاستقرار.

ما يحدث اليوم في الكاريبي، إذا لم يتم احتواؤه، سيتكرر غداً في الممرات المائية الحيوية الأخرى في العالم. بهذا النهج، لا تحافظ أمريكا على النظام الدولي ولا تنفذ القانون، بل تصبح أكبر منتهك للنظام الذي تدعي الدفاع عنه.

 

©‌ وكالة ويبانقاه للأنباء, https://www.mehrnews.com
قناة وكالة ويبنقاه على تلغرام
زر الذهاب إلى الأعلى